وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(آل عمران:139).
إن الصورة الراهنة للأوضاع مرعبة، لكنّ تجاوزَ هذه الأوضاع وتخطّيها بالإيمان والأمل والتوجه إلى الله ليس مستحيلًا. فالإنسان إذا سار نحو الشمس أو طار فإن ظلَّه سيتبعه، أما إن أدار ظهره لها فسيكون تابعًا لظلِّه. لذا ينبغي أن نصوب أنظارنا دائما نحو منبع الضوء اللانهائي. أجل، إن كل شيء مرتبط بـ”الاستناد إلى الله” على حد تعبير شاعرنا “محمد عاكف”.
لا شك أننا نعيش أزمات حقيقية معقدة ومتداخلة، لكن معرفة أسبابها ومواجهتها بإيمان وعزم وأمل يجعل تجاوزها ممكنًا، وإن استسلمنا للوهم فإنه سيضخم من حجمها. وإذا تدخلت السياسة فيها واستغلتها فستكبر، وتبدو أكبر بكثير من حجمها الحقيقي، وتصل -نتيجة آثار التخريبات النفسية- إلى وضع يصعب الخروج منه.
نعيش اليوم إحدى المراحل التي يتكرر فيها التاريخ بعِبَره المختلفة. فالمآسي والمصائب محيطة بنا من كل جانب كالزلازل والفيضانات والحرائق وقمع الحريات وكتم الأنفاس… ورغم هذا كله لا زلنا نرى صامتين من مسلوبي الإرادة، خائفين حتى من التأوّه أمام كل هذه النوازل. وفي مقابل هذا الصنف نرى ظالمين غادرين، يظلمون الناس ويغدرون بهم، ثم يتظاهرون بالبكاء ويبادرون إلى التشكّي، يقلبون الحقائق رأسًا على عقب ويُظهِرون المظلومين في صورة ظالمين. وإلى جانب هؤلاء وأولئك نرى حشودًا جماهيرية غير متوازنة في تصرفاتها لأسباب شتى، فهي على الدوام غاضبة ساخطة. هذا فضلا عن أوساط مختلفة كأوساط الإدارة الفاسدة والأوساط المتحكمة والأوساط المحرّضة والأوساط اللاهية التي لا تبالي بشيء، وأولئك الذين يعدون الخداع اقتدارًا والسرقة مهارة، وكذلك الانتهازيون الذين لهم حظوة عند هؤلاء، والذين يحتمون وراء حصانتهم القانونية، والذين يرفعون شعار “الحق للقوة” ويستخدمونه حتى النهاية من أئمة الظلم والمرتشين والآثمين والمختلسين وتجار الأسلحة وشبكات تجارة المخدرات والمدمنين عليها، وتنظيمات ملعونة أخرى لم يُعرَف لها اسم بعد… كل هذه الأوساط تدفع الجماهير الغاضبة التي فقدت اتزانها إلى مزيد من أعمال الشدة والعنف.
أجل، هناك خريف حزين في كل مكان، والقيم الإنسانية ديست تحت الأقدام، فلا حرمة للفرد، ولا احترام للقيم الإنسانية. وإذا كان هناك بضعة أفراد يتصرفون بشيء من الاحترام، فمن أجل الحصول على مقابل له. أما الجماهير فقد صارت أرقاما تُعَد، وكتلًا لا قيمة لها منتشرة هنا وهناك، أحوالهم مزرية تتفتت منها الأكباد، تُنثر فوق رؤوسهم كالمطر وعودٌ بالوظيفة أو بتأمين لقمة عيش كريم أيام الانتخابات، لكنها تتلاشى بعد ذلك بلا أي نتيجة، لذا باتت عديمة الجدوى لعدم تحققها.
لقد غدا العلم بلا راع، والمعرفة والعرفان وراء جبل قاف… والفن مجرد حارس للأيدولوجيات… واستسلمت بيوت العلم للتقليد… أما عشق الحقيقة وحب العلم والتوق للبحث فهي أمور لا تستحق الاهتمام والالتفات إليها… وما يُبذَل من مجهود لا يتجاوز حدود الهواية… ماتت مؤسساتنا الحيوية التي أودعْنا فيها حاضرنا ومستقبلنا وغابت عنها الحياة. تُردِّد الدعايات والادعاءات أننا نكفي عوالم عدة، بينما تشير الحقائق والأرقام صارخة بأننا لا نكفي مدينة صغيرة. قيمنا الأخلاقية، وشعورنا بالمسؤولية، والتزامنا بالحق والعدل دون المستوى العالمي بكثير، لا تجد عند كثيرين منا حياء أو خجلاً أو أي احترام لحق أو توقير لفكر… ضاع منذ زمان بعيد شعورُ الخوف من الله وخشيته، وخمد حس الفضيلة… أما الحياء من الناس فنسعى جاهدين للتخلص من هذا الشعور المزعج(!).
لقد تحولنا إلى كتل بشرية لا روح لها ولا قلب، وانعكس هذا على وجوهنا، فلم يبق عند معظمنا إحساس بالرحمة أو الشفقة، ولا شعورٌ بالاحترام والتوقير. أما تعداد الذين يرون الدين والتدين مؤسسة عتيقة وأفكارًا بالية فلا يستهان بهم… المشاعر الدينية خربة في كل مكان، والتدين مُهان… اللامبالاة منتشرة وكذلك السقوط الأخلاقي… الخيانات متداخلة بعضها مع البعض الآخر في كل جانب، والصرخات والتأوّهات تُسمع من هنا وهناك… في هذه الأرواح التي فقدت مشاعرها الإنسانية تَرَى جمودًا في الأحاسيس وشللاً في العواطف… أو تتردد على المسامع معاذير تلوكها الألسنة من أمثال “هل أنا المكلف بإنقاذ الكون؟”. فقدتِ القلوب الحساسة توازنها وأصبحت أسيرةَ انفعالاتها… لا يُحصى عدد الانتهازيين الذين يرددون: “اليوم يومنا، والعهد عهدنا، والزمان زماننا”. أما عدد الذين جعلوا الوصول إلى الثروة عن أي طريق هدفَ حياتهم فالله تعالى وحده العالم بهم.
في مقابل هذا، يُنكِّل أصحاب القوة الغاشمة بمن يفكر ويحس ولو قليلًا، ويتعرض للانسحاق من يخدم هذه الأمة بإخلاص، وتُنصَب الفخاخ الشيطانية لهم في كل منعطف. صحيح أن الساكتين الآن لا ينالهم شيء، ولا يقال لهم شيء، ولكن لا أحد يعرف ماذا سيأتي به الغد.
وهناك شرذمة هامشية تثير على الدوام ضجة وجلبة ضد الدين والإيمان كلما سنحت لهم فرصة، تستهين بالرأي الحر وبالديمقراطية الحقة وبحقوق الإنسان بدرجة عدائها للدين والإيمان، وتعلن الحرب على كل من يخالفها في الرأي والفكر، وتُدين كل من لا يشاركها وجهة نظرها، وتمسّه في عرضه وشرفه، بل ربما تلجأ إلى التصفية الجسدية لمن لم تقو على مواجهة فكره وحججه منطقيًا.
ومن بين هؤلاء أيضًا نماذج وأفراد لا يملكون ذرة من شرف الفكر وعفة الروح، لا يترددون اليوم عن تكذيب ما قالوه بالأمس، ولديهم استعداد أن يذمّوا غدًا ويخسفوا به إلى سابع أرض مَن صفقوا له اليوم، وهتفوا له بحياته واسمه. السمةُ الأساسيةُ لذوي الوجهين هؤلاء هي أنهم يطفون على السطح، ويتلذذون بلدغ الآخرين كالثعابين دائمًا. أما التعصب الأعمى لدى بعض هؤلاء فحدث عنه ولا حرج، فهم لا يؤمنون بالله تعالى ولا برسوله ، قد عميت بصائرهم فلا يرون، وصُمَّت آذانهم فلا يسمعون، لا يملكون روحًا ولا قلبًا، ولا عقلًا متدبرًا، ليس لديهم توقير لله ولا لرسوله، جهالتهم مركبة فلا يعلمون، ويجهلون أنهم لا يعلمون، بل ويحسبون أنهم يعلمون.
والخلاصة أننا خائضون حتى الركب في جميع السلبيات التي طالما تمنينا عدم وجودها، والأنكى من هذا انعدام أي خبر أو علامة مما كنا نأمله –كأمة- منذ سنوات عديدة. وإذا كان هذا هو المنظر العام فمن الصعب الحديث عن الأمل أو العزيمة. لكننا –كأمة- علينا أن نتجاوز هذه الصعاب، فليس أمامنا خيار آخر، لأن المصائب التي نواجهها حاليًا قد تقفز أمامنا من جديد في المستقبل بل قد تتضاعف، وعندئذ ستؤول البلاد من أقصاها إلى أقصاها إلى ما يشبه مقبرة جماعية، وقد يتحول عزم الأمة وأملها كفنًا على رأسها تلتف به، وتنقلب الأنهار “نهروان”، والسهول كربلاء، والأعداء “شِمْر”، وتغدو الشهور كلها شهر المحرَّم. وقد تتتابع المؤامرات الواحدة تلو الأخرى، وتنشب حرائق كبيرة فتحرق إلى جانب بيوتنا ومساكننا آمالنَا وخططَنا وتحوّلها إلى رماد.
وقد يتخلى عنا الجميع… أصدقاء كانوا أم أعداء، ونظل وحيدين معزولين، بل قد لا يكتفون بهذا، قد يطعننا من ظهورنا أناس لا نتوقع منهم هذه الخيانة. أجل، نحن نعيش ظروفًا يغدر فيها العدو، ويجحد فيها الصديق، ويتخلى عنا تمامًا. لكن علينا ألا نستسلم أبدًا أو ننحني، علينا أن نظل صامدين ثابتين على أقدامنا مستندين إلى إيماننا وآمالنا، مسرعين نطوي المسافات طيًّا مثل جواد أصيل، يعدو ولا يتوقف حتى النفَس الأخير.
فلو وصلت المصائب والفواجع إلى أضعاف ما هي عليه حاليًا، ولو أحاط بنا الأنين والنحيب من كل جانب، ولو بلغ الصراخ عنان السماء… ولو تحولت المآسي الحالية إلى حمم بركانية متدفقة نحو القلوب… ولو تلوّت الأمة بأجمعها من الألم واليأس، ورَسمت السيوفُ أقواسًا فوق الرؤوس المفكرة، ولو سُحقت الأدمغة بالمطارق، وانفرد الظالمون في الميدان، وعمَّ ظلمهم كل مكان، ولو غطى اليأس الأسود أفضل القلوب وأطهرها، ولو انهارت البيوت وتشتت العوائل وانهدمت أواصرها… ولو خسف القمر وانطفأت الشمس، وانغمرت القلوب مع الأبصار في ظلام دامس… ولو طغت القوة وتجبرت… وانسحق الحق تحت عجلات القوة الغاشمة… ولو كشرت القوى الظالمة عن أنيابها، وانزوى الضعيف في صمت… ولو خارت قوى أصحاب القلوب العاجزة عن المقاومة واحدًا إثر آخر… وسقط كل أصحاب القلوب… لو حدث كل هذا، لما كان علينا إلا أن نستمر في موقفنا، ونوفّيه حقه من الثبات دون أن نبدل سلوكنا قيد شعرة… نصمد في مواقعنا لنكون موضع أمل، ومنبع قوة يلجأ إليه الجميع، ونحاول من جديد إشعالَ جميع المشاعل الخابية.
إن كان إيماننا بالله تامًّا فلابد أن يكون الأمل والعزم شعارنا، وتقديم الخدمة للأمة مهمتنا. يجب أن يكون توقيرنا للحق تعالى، ونذر أنفسنا لإسعاد الآخرين بدرجة نفضِّل معها أن نُطْعِم قبل أن نَطعَم، وأن نكسو قبل أن نُكسَى، فيَسعَد من يرى أسلوب حياتنا الموقوفةِ للآخرين، ويفرح من يرى أمانتنا في أداء الأمانة.
يجب أن نعيش طاهرين نزيهين لا يستطيع أي حرام أو أي أمر غير مشروع أن يلوث أحلامنا فضلًا عن حياتنا. ومن يدري كم فقدنا وكم خسرنا، وكم هبطنا من علونا جراء بعض هذه التلوثات. لا يفلح أبدا من لا يوفِّي موقعه حقه وينحرف عنه، علينا أن نَعُدّ حب الحياة أو المنافع الشخصية انتحارًا فضلاً عن الأهواء الدنيوية، بل علينا ألا نجعل حتى الجنة غاية عبوديتنا، علينا أن نربط قلوبنا بالهبات والمنح الربانية وأن نسعى لنيل رضاه سبحانه، علينا أن نضع سدًّا منيعًا أمام رغباتنا وأهوائنا الشخصية، نعطي -دون انتظار أي مقابل- ولا نأخذ، نحسن على الدوام، وعندما ننطلق نحو “المحبوب” ونسلك سبيل السعداء لا تخطر نفوسنا على بالنا.
لقد اعتاد الذين نذروا أنفسهم لسلوك طريق السعداء -في الماضي والحاضر- ألاّ يطالهم اليأس والقنوط وألاّ يهتزوا، أو تأخذهم الحدة والغضب حتى وإن تعرضوا من كل جانب لمشاعر العداء والكراهية، وإن قاسوا من جحود الأصدقاء وشماتة الأعداء، وإن أصبحوا هدفًا لهجمات ذوي الأرواح المملوءة حقدًا ونفورًا… فهم لا يقابلون هذا بشعور مقابل من العداء والكره، بل يدفعون السيئة بالحسنة وبالكلمة الطيبة وبسلوك الإحسان وبالقول اللين فيصلحون بذلك جميع السلبيات، ويقابلون الأفكار الهدّامة بحملات البناء.
ولو انقلب كل شيء في البلد -لا سمح الله- رأسًا على عقب في يوم من الأيام، وغرقت الجماهير في ظلام دامس، وتقطعت الطرق وتهدمت الجسور فلن يضطرب هؤلاء ولن يهتزوا، لأنهم يعدون هذا الاهتزاز عدم توقير لعقيدتهم وإرادتهم، فهم يحفزون مشاعر الحياة عند الآخرين وينشطونها بدلاً من إظهار دلائلِ الموت ومناظر الخراب في جو من اليأس والقنوط، ويهتفون بكل من يستطيع السير: “إن الطريق مفتوح”.
إنني على يقين بأن يد العناية ستمتد حتمًا إلى أبطال العزم والإرادة هؤلاء، إن لم يكن اليوم فغدًا… وعلى يقين أن العواصف الهوجاء التي تقطع عليهم الطريق ستهدأ وتسكن، وتذوب الثلوج وتزول، وتتحول السهول والوديان القاحلة حولهم منذ قرون إلى جنان نضرة، ويبتسم لهم جَدُّهم.
إن اليأس عفريت يقطع الطريق على السائرين، وفكرة العجز وانعدامِ الحيلة مرض قاتل للروح، والأبطالُ في تاريخنا المجيد لم يَبرزوا إلا لأنهم مضوا بكل عزم وإيمان، أما الذين سلموا أنفسهم لمشاعر العجز والقنوط فلا أرضًا قطعوا، ولا مسافة ساروا، بل ضاعوا في الطريق. فمن خمدت أحاسيسهم ومشاعرهم، ومن فقدوا قابلية الحركة لن يبرحوا أماكنهم، ومن غطوا في سبات عميق لن يصلوا إلى أي هدف، ومن خارت عزائمهم وانهارت إراداتهم فلن يستطيعوا الصمود قطعًا على أرجلهم مدة طويلة.
واليوم إذا كنا نفكر في غدنا، ونأمل في الوصول إلى المستقبل ونحن ننبض بالحركة والحياة، فعلينا ألا ننسى أبدًا أن الطرق لا تُقطع إلا بالمسير، وأن بلوغ الذرى لا يكون إلا بالعزم والإرادة والتخطيط. فالذرى التي يبدو الوصول إليها مستحيلا، قد تم الوصول إليها مرارًا، وقَبَّلت قممُها الشاهقةُ أقدامَ العزم والإرادة، وأوقدت في قلوب أصحابها عزمًا جديدًا.
إن من عرف طريقه في أي عهد من العهود واهتدى إلى الهدف الذي يتوجه نحوه، ووثِق بالقوة التي يستند إليها، استطاع بفضل هذا الشعور، وبفاعلية هذه الديناميكية التي يشعر بها في أعماقه أن يرقى إلى هذه الذرى ويتجاوزها ويتسنَّم قممها مرات ومرات. إن مثل هؤلاء تصغر الأرض تحت أقدامهم، وتَفتح السماواتُ صدرها لعرفانهم، وتقف المسافاتُ تحيةً لعزمهم وإكبارًا واحترامًا لجهودهم، وتتحول العوائق والموانع إلى جسور تعبر بهم إلى أهدافهم. أجل، إن الظلام يندحر دائمًا أمام هؤلاء الشجعان، وتنقلب المصائب إلى شآبيب رحمة، وتتحول المشاق إلى طرق نجاة، والصعاب إلى حوافز انطلاق.
لو أبادوا حاضر مثل هذا الفارس، فسوف ييمم وجهه نحو المستقبل مواصلاً طريقه المتجه إلى الغد. ولو هدموا مستقبله أيضًا لن يتردد في نخس جواده نحو مستقبل أبعد. هؤلاء لا يملكون إزاءه أي حيلة، فمثل هذا -بفضل إيمانه وعزائمه وآماله- لا يُثنِيه عن طريقه هزيمة يعيشها ولا عثرة تطرحه أرضًا، بل لا يتوقف عن رسم خطط جديدة للنجاح والفوز، ويجد في ذلك عزاءه وسلواه.
عندما يجابَه بموجات من الحقد والعداء، وتدلهمّ أمامه الخطوب، وتتكاثف الظلمات بعضها فوق بعض لا يتردى في وديان اليأس والقنوط، ولا يضطرب أو تهتز له شعرة، لأنه لا يمثل الأمسَ فقط ولا اليومَ ولا الغدَ، بل هو في موقع يَسرِي كلامُه إلى الأزمنة جميعًا، فهو “صاحب الوقت” و”ابن الزمان”. يدرك -إلى جانب لغة عصره- روحَ الدين وأسرار القرآن.. كل من يراه ويتلمس شخصيته يتذكر عهد النبوة والخلفاء الراشدين، يبدو بمشاعره وأفكاره وعفته ونزاهته ووفائه وصدقه وخلقه المتين كأنه صرح مشيَّد من الجلمود أو الجرانيت، لا يتفتت ولا تسقط منه قلامة ظفر واحدة وإن تهدم كل ما حوله أو انهار.
نحن نأمل -بفضل هذه الأخلاق العالية والسجايا القوية والمعاني الراسخة- أن تجد الصدورُ التي تعاني آلام الغربة والهجران سلواها وشفاءها، إن لم يكن اليوم فغدًا، وأن تستقيم أصلاب أولئك الذين عاشوا منحني الظهور منذ عصورٍ، مؤكدين وجودهم بهتافهم، وأن تحيا الأرواح التي غشيها الظلام فتبدد الظلمات التي تحيط بهم وتحاصرهم، وأن يبذل الجميع جهودًا استثنائية، ليتجاوزوا –بسبب من إرشاد المعاني المتجذرة في أعماق نفوسهم- جميع العقبات، ويتّحدوا مع ذواتهم وماهيتهم حتى يبلغوا ذروة الحظ السعيد.