إن القرآن الكريم مُعجِزة ، والمعجزةُ: أمرٌ خارقٌ للعادة، يُجريه الله تعالى على يدِ الأنبياء لإثبات دعوى النبوة؛ حيث يَخرُج إلى الناس شخصٌ فيقولُ لهم: “إني رسول الله”، فيتوقَّعُ الناسُ منه أمورًا خارقةً للعادة لتكون دليلًا على نبوَّتِهِ، فيُجري اللهُ على يديه أمورًا يَعجز الإنسانُ العاديُّ عن الإتيان بمثلها، فهذا ما نسميه “معجزة”.
ويُشترَط لتسمية مثل هذه الأمور “معجزة” أن تكون خارقةً للعادةِ وأن يكون صدورُها متزامنًا مع دعوى النبوة وموافقًا لها.
لقد ظلَّ القرآن يتحدّى البشرَ منذ أربعة عشر قرنًا فيقول: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾، ولكن البشرية لم تستطع بتاتًا أن تأتي بمثلِهِ، ولن تستطيع.
نعم، إن القرآن الذي أنزله الله، واستمرأَتْهُ الأفئدة والقلوب، وسُطر في الصحف، واستظهره الحفّاظ؛ لهو كلام الله المعجزُ..!
والآن لنَعْرِض الجوانبَ الإعجازية للقرآن الكريم بإيجاز:
نَظْمُ القرآن…
فنظمُه غريبٌ بديعٌ مختلفٌ عن كلِّ أشكال النَّظْم المعروفة، حيث إن أهلَ الجاهلية لما سمعوه وجدوه غريبًا، ولكنهم لم يستطيعوا أن يسندوا إليه أي نقصٍ ولم يعثروا فيه على مثلبة… فنظمُه معجز من هذه الناحية، ومن جانب آخر نراه قد أثرى اللغة العربية وأثَّرَ فيها، واستخدَم كلَّ كلمةٍ في مكانِها المناسب، وضَبَطَ القواعدَ النحويّة والبلاغية، وقعَّد قواعِدَهَا وكأنه نزلَ بِأُسُسِ قواعدِ علمِ الصرفِ والنحوِ والبلاغةِ… ومع ذلك إنه واجه الناسَ بأسلوبٍ تعبيريٍّ مختلفٍ وفريدٍ.
2- يتمتَّع القرآن بجزالةٍ خارقة لا ندَّ لها… فالقضايا التي تناولها القرآن كبيرةٌ جامعةٌ منطويةٌ على معانٍ شتى، فليس بمقدور البشر أن يحيطَ بها عِلمًا، فالذي تناولَ الحقائقَ التاريخيَّةَ كلَّها بأحكَمِ شكلٍ منذ بداية خلقِ الكونِ إلى يومنا هذا هو القرآن المعجِزُ البيانِ.
3- إن القرآن الكريم نزلَ في ثلاثةٍ وعشرين عامًا، وفي مناسباتٍ مختلفةٍ، وخاطبَ فئاتٍ متنوّعة وشرائح متعدّدة، لكنه بانسجامه الخارقِ وتَناسُبِه القويِّ يبدو وكأنه نزلَ مرَّةً واحدةً ولسببٍ واحدٍ ولمخاطَبٍ واحدٍ، وقولُه تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ يشيرُ إلى هذه الحقيقة، أي أفلا يتفكّرون في أوَّل القرآن وآخرِه، ويُمعِنُون فيه النظرَ المرَّةَ تلوَ الأُخرى، حتى يتبيّنَ لهم أن القرآنَ لو كان كتابَ غيرِ الله، لكان فيه من الأحكام ما يُناقِضُ بعضُه بعضًا… والحال أن فيه من التناسب والانسجام، بحيث إن الذي يملك أقصى مستوى من الذكاء والمواهب لن يقدرَ على أن يكتبَ سطرين على هذا المستوى من التناسب، فإن القرآن بدءًا من “الْحَمْدُ لله” وانتهاءً بـ”مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” وحدةٌ متكاملةٌ كأنها تتحدّث عن قضيّةٍ واحدةٍ.
ومع أن هناك من ادَّعى “أن الله صَرَف الهِممَ عن معارضة القرآن ولذلك لم يستطيعوا أن يأتوا بمثلِهِ”، إلا أنَّ القلبَ لا ينصاعُ لتقبُّل هذه المقولةِ، فالقرآن بكلماتِهِ وآياتِهِ وجُمَلِهِ يتحدى في الميدان، فليتفضَّل أهلُ هذا العصر وليأتوا بنظيرِهِ، أو -على الأقل- بعشرِ سورٍ تنافسُ سورَه، أو حتى بسورةٍ من مثله… كلا! إنهم لن يَقدِروا على أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا.