قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا” (يعني ستداعى عليكم لسلب أموالكم ومصادرة ممتلكاتم)، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: “بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ”، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا “الْوَهْنُ”؟ قَالَ: “حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”[1].

أجل، إن أيَّ مجتمعٍ يعتبر الجوانبَ الجسمانيةَ للدنيا مقصودةً لذاتها، ويتّجه بقلبه وروحه إليها، ويغضّ الطرف عن مرضاة الله سبحانه وتعالى؛ بمعنى أنه يفضّل الدنيا وما فيها على الله تعالى؛ فلا قبل لنا أن نقول إنه مستقيمٌ قلبيًّا وروحيًّا حتى وإن كان يشهد أن لا إله إلا الله.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ”، وفي حديثٍ آخر ينبّه صلوات ربي وسلامه عليه إلى إهمالٍ مهمّ آخر يُفضي إلى نزع المهابة من القلوب، وهو: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإغفال الحديث عن القرآن والبعث والنشر، يقول عليه الصلاة والسلام:

 “كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَقَ فِتْيَانُكُمْ، وَطَغَى نِسَاؤُكُمْ؟” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ قَالَ: “نَعَمْ، وَأَشَدُّ مِنْهُ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا لَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ؟” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ قَالَ: “نَعَمْ، وَأَشَدُّ مِنْهُ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا، وَالْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا؟”[2].

إذًا لا بدّ أن تكون أعظم غاياتنا هي تربية نشءٍ قويِّ الإيمان، قويٍّ إلى أقصى درجة من الناحية الماديّة والمعنويّة، ذي إرادةٍ يستطيع بها أن يشقّ الجبال، ذي بصيرةٍ يستحقر بها الدنيا بوجوهها الجسمانية والنفسانية، ربانيٍّ لا يسمح بسريان الوهن إلى قلبه، مفعمٍ بالحيوية والفتوّة والمهابة من رأسه حتى أخمص قدميه أمام الأعداء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: فتح الله كولن، من البذرة إلى الثمرة، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة.