Reader Mode

لقد عرضت لأمّتنا مصائب كبرى منذ نحو ثلاثة قرون على فترات تترى كل أربعين أو خمسين سنة. أجل، منذ مطلع القرن السابع عشر الميلادي حتى اليوم والمصائب تنهال علينا، وكأن الله جل جلاله يقول لنا على لسان الحوادث: “تنبّهوا، واستفيقوا، وعودوا إلى هويتكم الأُمّ!”؛ يقول هذا ليؤدِّبَنا ونحن لا نستوعبُ الدرس اللازم جيّدًا ولا نعتبر؛ لذلك ما زلنا نرتكب أخطاء تنجم عنها مثل تلك المصائب والبلايا، وكأننا ندعو الله بأن يرسل علينا مصائب أخرى.

هذه الحوادث المؤلمة هي في واقع الأمر مصائب منّ الله بها علينا حتى نعود إلى ذاتِنا، وفيها بعدٌ من الإحسان للقادرين على الانبعاث من غفلتهم، أمَّا إذا ما فتئنا ندور في حلقات تلك الدائرة الفاسدة ولم نعتبر بهذه المصائب كما ينبغي فلا شكّ أنها ستستمرّ، بل ستحلّ بنا أضعافًا مضاعفة، ولن ترتفع عنّا؛ وهذا يعني أن هذا المستنقع قُدّر لنا فترةً أخرى حتى نكون بين مصيبتين: نفاق المنافقين منّا وضرر الأعداءِ المعتدين من غيرنا، لكننا إذا ما أفقنا وتوحَّدْنا مع روحنا وجوهرنا وعدنا إلى ذاتيتنا، فإن الله القادر على كل شيءٍ سيهدينا سبلَ السعادة، لنتوجَّه إليها ونسير فيها.

كأن الله جل جلاله يقول لنا على لسان الحوادث: “تنبّهوا، واستفيقوا، وعودوا إلى هويتكم الأُمّ!”؛ يقول هذا ليؤدِّبَنا ونحن لا نستوعبُ الدرس اللازم جيّدًا ولا نعتبر.

والآن أرى أننا -نحن أبناء العالم إسلامي-ابتعدنا تدريجيًّا عن الحياة الإسلامية منذ مطلع القرن السابع عشر حتى اليوم، بعُدنا وخضنا في الذنوب، ولطالما غدت الحياة الدنيوية همّنا، وجفونا القرآن والرسول وأوامرهما في حياتنا، وفوق هذا عجزنا أن ندرك أن كل ما فعلناه ذنب وإثم، وعجزنا عن الاستغفار؛ لهذا أرسل اللهُ العدْلُ علينا وابلًا من أصناف المصائب والابتلاءات.

والآن وفي ضوء هذا يتبيّن أن سبيل الخلاص من هذه المصائب هو: أن يسود الاستغفار حياتنا كلها، وأن ننقش حبّ رسول الله عليه الصلاة والسلام في قلوبنا، وأن نتبينَ أخطاءنا سريعًا، ونبحث عن حلٍّ ومخرج للسير والخلاص. أجل، هكذا ستنهض -إن شاء الله- هذه الأمة ماديًّا ومعنويًّا، وتعود كرّةً أخرى إلى عصور المجد السابقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: محمد فتح الله كولن، الموشور، دار النيل، مصر، 2015، ص127.

ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts