خُلق الإنسان وقد حُكم عليه بالفناء في عالم الفناء (الدنيا)؛ إلا أنه من حيث طبيعته وماهيته فهو مخلوقٌ مرشَّحٌ للأبديّة، متطلِّعٌ إلى الخلود، محبٌّ للسرمدية، وهذا ما يميّزه عن جميع الكائنات؛ فهو بذلك ليس كائنًا محكومًا عليه بالعيش في إطار حياةٍ ضيّقة الحدود، ومن ثَمّ فإن وظيفته الأساسية هي اتباع الطريق الذي يوصّله إلى السلام الأبدي، وبذل الجهد طوال حياته لتحقيق هذه الغاية السامية.
إن السعداء الذين جعلوا رضا الله غايتهم الوحيدة، واتبعوا النبي محمدًا، وسعوا لإعلاء كلمة الله؛ هم الذين يُفقِدون الشيطانَ وأعوانَه صوابهم.
فلا بدّ أن تكون الغاية الوحيدة التي يتطلّع إليها الإنسان؛ هي الله جل جلاله، لذلك عليه أن يبذل وسعه دائمًا من أجل حبِّ الله، وتحبيبه لخلقه، والوصول إليه، وحثّ القلوب على التوجّه إليه؛ لأنه غاية الغايات، وكلّ ما سواه عز وجل ينال قيمته بقدر كونه وسيلةً تؤدّي إليه، فمنزلة الملائكة الكرام ترجع إلى قربهم منه تعالى، وتفوُّق الأنبياء العظام يعود أيضًا إلى قربهم منه عز وجل، وقدرتهم على توجيه الناس إليه.. وإنَّ قَدْرَ سيّد الأنام صلى الله عليه وسلم في نظرنا لا يعادله قدرٌ أو قيمةٌ، ومع ذلك فإننا لا نقول عنه مباشرةً إنه الغاية، بل نقول إنه “وسيلةٌ بقدر الغاية”، فهذا ما يقتضيه اعتقادُنا، فإذا تلفَّظْنا بكلمة التوحيد فإننا نؤكّد أولًا على وجود الله تعالى ووحدانيته؛ وهما الغاية الأساسية، ثم نذكر سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ وهو أهم الوسائل الموصلة إلى تلك الغاية.
الشيطانُ وأتباعُه يحبّون الفساد والفتنة، ويكرهون كلَّ مَن يسعى للإصلاح، وهم أكبر داعمٍ للطغاة والمستبدّين الذين يستفيدون من الفرقة والجهل والفقر.
إن الذين شخصت أبصارهم إلى رضا الله ورضوانه، وحرصوا على تحقيق غايةٍ ساميةٍ؛ يعيشون حياةً مستقيمةً، وبفضل صلتهم المتينة بربّهم لا يتذبذبون أمام الرياح المعاكسة، ولا يغيرون وجهتهم.. أما الذين لا يتبعون مثل هذا الهدف السامي؛ لا يُعرَف أين ستقذفهم العواصف، ولأنهم لا يسيرون نحو وجهةٍ محدّدةٍ فلا يمكن لأيِّ ريحٍ أن تساعدهم على الوصول إلى هدفهم، فحتى وإن كانوا يسيرون على طريقٍ مستقيمٍ لبعض الوقت فسرعان ما ينجرفون وراء رغبات النفس والشيطان، ويبيتون في شقاءٍ وضياع، ويغرقون في غياهب الظلمات.
إن الذين جعلوا الله قبلتهم وبوصلتهم؛ لا يحبّهم الشيطان ولا أتباعه، بالعكس سيحاول جاهدًا إبعادهم عن الطريق الذي يسيرون فيه.
أكرّر مرّةً أخرى: إن أسمى غاية للمؤمن هي معرفة الله، وتعريف الناس به، ثم التعرّف على الذين يعرفونه، والتعريف بهم، واتباع طريق أولئك الذين يمثلونه، واعتبار طريقهم طريقًا له.. ولقد أوصانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالتمسُّك جيدًا بسنَّته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، فلا نحيد عنهما أبدًا، وإن تعريف البشرية بالإنسانيّة الحقّة، وغرسَ المحبة الإنسانية في القلوب؛ مرهونٌ باتباع طريق النبي صلى الله عليه وسلم ومَن سار على نهجه بشكلٍ كامل.
إن إحياء المشاعر والأفكار الإنسانية وإحلال السكينة والسلام لن يتحقّق بالقوّة والنفوذ والأسلحة، بل من خلال السعي إلى نيل رضا الله بتأليف قلوبِ الناس.
فإن كنا تمسَّكْنا بمثل هذه الغاية السامية، فهذا لأننا نحبُّ المخلوقين بسبب خالقهم، وننظر إلى الإنسان على أنه صنعةٌ إلهية تجلّى عليها سرّ أحسن تقويم، ولذلك نشعر تجاهه بمشاعر خاصة، ونُكِنّ المزيد من المحبة والتوقير لأولئك الذين تضيء قلوبهم بنور الإيمان، أما الذين لم يتعرّفوا على الله بعد، فنحاول تعريفهم به من خلال بثّ إلهامات أرواحنا في نفوسهم، وهكذا فإننا نحاول من خلال خدماتنا التي تهدف إلى إحياء القلوب؛ أن نحافظ على حيويتنا أيضًا، إننا نخشى أن تنطفئ الروح والحياة في داخلنا إذا لم ننشرهما من حولنا، فكلما شاركنا الآخرين الجماليات التي لدينا؛ انهمرت علينا المزيد من الواردات الإلهية والفيوضات الربانية.
إن أسمى غاية للمؤمن هي معرفة الله، وتعريف الناس به، ثم التعرّف على الذين يعرفونه، والتعريف بهم، واتباع طريق الذين يمثلونه، واعتبار طريقهم طريقًا له.
لِيسلكْ مَن شاء الطريق الذي يشاء، فهذا هو طريقنا الذي نسير فيه؛ وهو طريق الخدمة، وإننا إذ نوقن بأن من يخدمون الإنسانية لهم قدرٌ وقيمةٌ خاصّةٌ عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، فإننا نرفض ونُعرض عن أيِّ تقديرٍ سوى هذا.
إن الخدمات المرتبطة بالتصفيق والتقدير لا تقدّمنا، بل تؤخرنا، فمن كان همهم الدنيا جثمت على رؤوسهم همومٌ بقدر الدنيا، وسيتسلّط الشيطان عليهم بالمشاغل والهموم الدنيوية ليصرفَهم عن الطريق الذي يسيرون فيه.. فالذين يظنّون أنهم يسيرون نحو الله، لن يحققوا أهدافهم لأنهم لم يركزوا على الهدف، والذين لا ينشغلون بالله سيشغلهم الشيطان بأمورٍ تافهةٍ باطلةٍ، أما الذين جعلوا الله هدفَهم وغايتَهم وشاغلَهم؛ فلن يجرؤ هذا الكائن اللعين على الاقتراب منهم.
إن الخدمات المرتبطة بالتصفيق والتقدير لا تقدّمنا، بل تؤخرنا، فمن كان همهم الدنيا جثمت على رؤوسهم همومٌ بقدر الدنيا.
إن إحياء المشاعر والأفكار الإنسانية وإحلال السكينة والسلام لن يتحقّق بالقوّة والنفوذ والأسلحة، بل من خلال السعي إلى نيل رضا الله بتأليف قلوبِ الناس، والحرصِ على توجيههم إليه تعالى.. وبفضل جهود المخلصِين سيتعانق الشرق والغرب، والجنوب والشمال، وستتلاقى جميع الألوان والأنماط المختلفة، وستتمكّن الإنسانية من العيش معًا في تآخٍ تامّ.. أما الذين يلجؤون إلى القوة الغاشمة، ويحاولون تنظيم الناس اعتمادًا على قوتهم، فلم ولن يتمكّنوا من حلِّ أيِّ مشكلةٍ، بل على العكس، فقد شكلوا دوائر فاسدةً من المشاكل، فمن دخل هذه الدوائر الفاسدة فقد تفكيره السليم، وأضاع إنسانيته، وتسبّب في تعقيداتٍ متلاحقةٍ.
إن أولئك الذين يسلكون الطرق غير الشرعية وغير الإنسانية سيصبحون بمرور الوقت ألعوبةً بيد الشيطان وسيفقدون مصداقيّتهم.
إن الأنبياء عليهم السلام، ثم أتباعهم الذين ساروا على نهجهم؛ علّموا الناس معنى الإنسانية الحقة، وقد مثّلوا ذلك أوّلًا بسلوكهم وأفعالهم، ثم بلّغوه للناس.. لذلك يجب أن نكون نحن أيضًا من الساعين إلى هذا الهدف، وأن نلهج بذكر الله دومًا؛ فبقدر انشغالنا به سبحانه نقترب منه، وأن نظلّ بعيدين عن حيل الشيطان ومكائده، ولا ننسَ أن إعادة إحياء المشاعر والأفكار الإنسانية المشوّهة في عصرنا الحالي ستكون بفضل هذه الجهود والمساعي السامية.. أما اتباع أساليب القهر، والفظّ من القول، والأكاذيب، والخطاب الشعبوي، والعنف، والتفرقة بين الناس؛ فلن يؤدي إلى أيِّ نتيجة.. وإن أولئك الذين يسلكون هذه الطرق غير الشرعية وغير الإنسانية سيصبحون بمرور الوقت ألعوبةً بيد الشيطان وسيفقدون مصداقيّتهم.
فإذا أردتم أن تكونوا مقنعين وتوحوا بالثقة لمن حولكم فعليكم أن تسيروا باستمرارٍ على خطٍّ مستقيمٍ دون أيِّ انحراف، وأن تمثّلوا القيم التي تؤمنون بها على الوجه الأكمل، فالناس يتحسّسون نبضكم، ويستمعون إلى دقّات قلوبكم، ويترقّبون إن كان هناك خللٌ في إيقاعها أم لا، فعندما تمثّلون في حياتكم الخاصة كلّ ما تدعون الآخرين إليه، وتبتعدون كلَّ البعد عمّا تنهون عنه؛ عندها يثق الناس بكم.. ونكرّر مجدّدًا أن الأشخاص المقنعين ليسوا أولئك الذين يجيدون الحديث أو يتفوّهون بأعذب العبارات، بل الذين استغنوا عن الدنيا، ولم يقعوا أسرى لأجسادهم وغرائزهم البشرية، ولا يدوسون على كرامة الإنسان تطلُّعًا إلى منصبٍ أو شهرة، والذين لا يجعلون أحدًا ينال من عفّتهم ونزاهتهم، فالمخلصون الذين نذروا أنفسهم للخدمة الإيمانية وانطلقوا إلى مختلف بلدان العالم لم يؤثّروا في محيطهم إلى حدٍّ ما بسبب ما لديهم من معلوماتٍ ومعرفةٍ أو قوّة بيانٍ، بل بتمثيلهم القويّ وسلوكهم الصادق.
إننا إذ نوقن بأن من يخدمون الإنسانية لهم قدرٌ وقيمةٌ خاصّةٌ عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، فإننا نرفض ونُعرض عن أيِّ تقديرٍ سوى هذا.
وكما بيَّن القرآن الكريم، فإن كلَّ إنسانٍ يعمل على شاكلته؛ فمن الناس من يكون منافقًا مثلَ عبد الله بن أبيِّ بن سلول، يخدع الناس بأكاذيبه ومواقفه المزدوجة، ومنهم مَنْ يكون مثل فرعون، يرى نفسه فوق الجميع ويمارس الطغيان.. ومنهم من يستغل فلسفة عمر الخيام لتبرير إشباع رغباته الشخصية، وركضه وراء المتعة والملذات الدنيوية، هؤلاء الأشخاص رغم وجود العديد من الإشارات التي تدلهم على الله في طريقهم فإنهم لا يرونها، وإن رأوها فإنهم يتجاهلونها، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه سيُسَلِّط الشيطان على أولئك الذين ينسونه ويُعرضون عن ذكره، وأن الشيطان سيكون رفيقهم، لذا فإن الذين جعلوا الله قبلتهم وبوصلتهم؛ لا يحبّهم الشيطان ولا أتباعه، بالعكس سيحاول جاهدًا إبعادهم عن الطريق الذي يسيرون فيه، لذا يجب ألا يتفاجأ هؤلاء من اشتغال شياطين الإنس والجن بهم، وعليهم أن يواصلوا السير على الطريق الذي يستهدفونه رغم أنف الشيطان وأعوانه.
إنَّ قَدْرَ سيّد الأنام صلى الله عليه وسلم في نظرنا لا يعادله قدرٌ أو قيمةٌ، ومع ذلك فإننا لا نقول عنه مباشرةً إنه الغاية، بل نقول إنه “وسيلةٌ بقدر الغاية”.
إن السعداء الذين جعلوا رضا الله غايتهم الوحيدة، واتبعوا النبي محمدًا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسعوا لإعلاء كلمة الله؛ هم الذين يُفقِدون الشيطانَ وأعوانَه صوابهم، فالشيطانُ وأتباعُه يحبّون الفساد والفتنة، ويكرهون كلَّ مَن يسعى للإصلاح، وهم أكبر داعمٍ للطغاة والمستبدّين الذين يستفيدون من الفرقة والجهل والفقر، ويضمرون ألدّ أنواع العداء لأولئك الذين يكافحون لإزالة هذه الأوبئة بطرقٍ وأساليب مختلفةٍ. أجل، إن الشيطان يطيش صوابه عندما يرى أبطال الإصلاح الذين عزموا على نشر الاسم الإلهي الجليل والاسم المحمدي العظيم في كلِّ مكانٍ تشرق فيه الشمس وتغرب، ويحرّض أتباعه على محاربتهم، وإنه إن لم يفعل ذلك فيجب أن تستولي علينا الدهشة والحيرة؛ لأنه لا يمكن تصوّر ألا يتسلّط الشيطان على هؤلاء الصالحين الذين كانوا سببًا في جلب الخير للبشرية، فالشيطان الذي يرى في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألدّ أعدائه؛ لن يقف مكتوف الأيدي تجاه الذين كرّسوا أنفسهم لفتح القلوب ونشر دعوة الله تعالى، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن الشيطان لن يدع من يحاول أن يخدم الإنسانية وشأنهم.
لا بدّ أن تكون الغاية الوحيدة التي يتطلّع إليها الإنسان؛ هي الله جل جلاله.
فإذا نظرنا إلى فترة الظلم التي مررنا بها، والأكاذيب والافتراءات التي أُطلِقت خلالها، وإلى الظلم الذي لا يتصوّره عقلٌ، والاعتداءات المتكرّرة، والخيانات المتنوّعة؛ فسوف نفهم أن الشيطان وشياطين الإنس يعملون ليل نهار حتى ينفذوا إلى قلوب الناس، ويلهموهم الأفكار السيئة، ويزوّدوهم بالحجج الكاذبة؛ لحثّهم على الفساد وارتكاب الشرور والآثام.. ثم إن هجماتهم الشرسة هي أكبر دليلٍ على أنكم تسيرون في الطريق الصحيح، وإنّ تسلُّطَ هؤلاء الذين غرقوا حتى أعناقهم في الإفساد، وتنافسوا على مضاعفة الثروات، وأصبحوا عبيدًا للدنيا؛ لهو برهانٌ على أنكم تسلكون الطريق الصحيح، فإذا كنتم تؤمنون بذلك، فيجب عليكم الاستمرار في الطريق الذي تعتقدون أنه صحيح دون الالتفات إلى الشيطان أو أتباعه المخلصين، يجب أن تضاعفوا جهودكم وتزيدوا من سرعتكم؛ لتحقيق السلام العالمي الشامل على الأرض، بل لا بدَّ أن تعيدوا النظر في الطريق الذي تسيرون فيه مرّةً أخرى، وأن تزنوه بميزان القرآن والسنة، وأن تراجعوا تصرّفاتكم وسلوكيّاتكم باستمرارٍ وفق مرجعية الوحي، فإذا كانت هناك جوانب تخالف تلك المعايير، فعليكم تصحيحها، ولكن سيروا نحو غايتكم السامية دون أن تتوقّفوا أو تتعثّروا أمام العقبات التي تعترضكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع هيركول: الرابط التالي: https://herkul.org/alarabi/muwasalat-alsayr-nahw-ghayatina-alwahida/