الإثم انهيار داخلي… ونـوع من مخالفة الفطرة السليمة ومناقضتها… والذي يقع في الإثم شخص مسكين نكد الحظ اسـتسلم للشيطان بكل قابلياته وبكل ملكاته الروحية، وترك نفسه لعذاب الضمير ولوخزات القلب. فإن استمر في اقتراف الإثم نفسه، فهذا يعني أنه ترك حبل نفسه على غاربها، ولم تعد لديه أي إرادة، ولا أي مقاومة، ولا أي قدرة لتجديد نفسه، فلإثم ليس إلا صفعة على وجه الإرادة، وزقوم أُشرِبه الروح. وما أحط الإنسان الذي يتلذذ بالإثم! وما أكثر تسـيب الإنسان الـذي دمّر بالإثم روحه!.. ، فهو عاصفة هوجاء تطفئ جميع الاستعدادات والمشاعر السامية المهداة للإنسان، ودخان سامّ يحيط بحياته القلبية من جميع جوانبها. فمن تعرض لهذه العاصفة جف وذبل، ومن تعرض لهذا الدخان اختنق ومات.
الذي يقع في الإثم شخص مسكين نكد الحظ اسـتسلم للشيطان بكل قابلياته وبكل ملكاته الروحية، وترك نفسه لعذاب الضمير ولوخزات القلب.
دائرة الإثم وانقلاب الموازين
ما أن يدخل الإنسان في دائرة الإثم حتى تنقلب لديه المقاييس والموازين. فكما يكون مصير الطائرة التي لا تحسب حسابا للجاذبية الأرضية وللقوانين الفطرية هو السقوط والارتطام بالأرض، كذلك الأمر بالنسـبة لمن يلج بيئة عفنة منعتها يد الحكمة، وعندما قام آدم – عليه السلام – بفتح مثل هذه الثغرة في حيـاتـه الشخصية، لم يستطع تجاوزها إلا بسـيول من الدموع التي لو جمعتها لكانت بحرا. أما الشيطان فلم يستطع الخلاص من بئر الإثم التي وقع فيها رأسا على عقب، فكان الهلاك مصيره.
الإثم ليس إلا صفعة على وجه الإرادة، وزقوم أُشرِبه الروح. وما أحط الإنسان الذي يتلذذ بالإثم! وما أكثر تسـيب الإنسان الـذي دمّر بالإثم روحه!..
احذر أن تفتح شراعك
كم من شاب أهيف كغصن البان، وكم من أميرة وردية الخدّ، وكم من سلطان عظيم، وكم من صاحب تاج كبير… كم من هؤلاء قد فتحوا بخطوة واحـدة أشـرعتهم لبحار الإثم ، ولكنهم لم يستطيعوا الرجوع أو العودة من سفرهم هذا أبدا. فالإثم يسري في الإنسان رويدا رويدا… ويداعب هواه كنسيم ويلاعبه، يتربع هناك على عرش قلبه. ثم يتحكم بمشاعر الإنسان تحكما لا يستطيع الخلاص من قبضته إلا صاحب إرادة قوية، وبعناية من السماء. والأسوأ من هذا أن المرء عندما يمخر عباب الإثم يبتعد عن نفسه وينأى عنها إلى درجة أنه لا يشـعر ولا يدرك مدى التغير الذي أصابه، ولا يسمع، ولا يلتفت إلى صراخ روحه، أي أن عالم الحس وعالم القلب عنده أصبح هامدا متبلدا لا ينبض بأي حركة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فتح الله كولن، ترانيم روح وأشجان قلب، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ، طـ4، ٢٠١0، صـ120.
ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.