علي “مشاعل النور” الذين يقومون بمهمة التبليغ، والواقع علي عاتقهم وظيفةٍ: شرحُ المسائل التي كُلّفوا بها، وتبلغيها للناس، أن تقترنُ جميع أعمالهم بالصدق والإخلاص. وأن تكون الغاية منها دائمًا هي مرضاة الله تبارك وتعالى، وأن تُهيَّأَ كلُّ الأعمال وفقًا لذلك، وتلك هي الخاصية الخامسة من ضمن خصائص عشر أبان عنها وشرحها كخصائص للتبليغ.
إن كانت هذه الأعمال في مرضاة الله عملناها وراعيناها وإلّا فعلينا أن ندعها ونصرفها عنا، ولا نتسبَّبَ في خداع أحد. فلقد اختزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الجهادَ في سبيل الله بما كان في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى. فلو كان كفاحنا في سبيل إعلاء كلمة الله فهذا من أجل الله، وإلا فنحن نتراءى بأنفسنا بِخُطَبِنَا وكُتُبِنَا؛ وحينذاك ينعدم الإخلاص فنُحْرَمَ ثوابَ أعمالنا، فإن أصيبَ الإخلاصُ أو تخلّلَهُ شيءٌ فلا حديث إذًا عن رضا الله أو النفاذ في قلوب الناس.
الإخلاص والصدق هو حياةُ القضايا التي نشرحها وروحُها، فإذا أردنا ألا تشهد علينا أقوالُنا وأعمالُنا فعلينا أن نتحلّى بالإخلاص.
ملاك الأمر.. الإخلاص:
اضطلع الأسبقون بالقيام بهذا العمل بإخلاص، حتى إنهم إن حدَّثَتْهم أنفسهم بِعُذُوبَةِ منطِقِهِم وبلاغةِ حديثهم كانوا يجثون على ركبهم ويقولون: اللهم ارزقنا الإخلاص في كل أمرنا وفي كلّ شأننا، ومنهم على سبيل المثال “عمر بن عبد العزيز”رضي الله عنه، فلقد كان -حينما يرى خطابَهُ بليغًا للغاية- يمزِّقه ويطرحه أرضًا خوفًا أن يداخله الكبر والغرور، ثم يَكْتُبُ خطابًا آخر.
وهكذا كانت تُشرح القضايا الإسلامية في تلك الفترة في مثلِ هذا الجوّ من الإخلاص المحضِ، وكأنَّ هؤلاء جعلوا مبدأهم الحديث عن ربّهم في جوٍّ لا ترغبه أنفسهم، ولربما قالوا: ما دامت النفس لا تأخذ حظّها من مثل هذا الحديث فهذا يعني أن هناك إخلاصًا في العمل، واتخذوا من هذا دستورًا لحياتهم. ولعلّ قراءنا الأعزاء لهذه السطور قد مرُّوا بتجارب كثيرة من مثل هذا النوع، ولذا أعود فأكرّر بأن الإخلاص والصدق هو حياةُ القضايا التي نشرحها وروحُها، فإذا أردنا ألا تشهد علينا أقوالُنا وأعمالُنا فعلينا أن نتحلّى بالإخلاص.
——————————————————————–
المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص:27-28.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.