في سياق حديثه عن الطبائع العامة، يتحدّث القرآن عن شخصيّة من أكثر الشخصيات التي نلقاها في أيامنا هذه، ولا تقلّ أهمية عن تلك الشخصيات الأخرى، يقول الله تعالى: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (سورة آلِ عِمْرَانَ: 3/66).
أجل، إن المجادلة بغير علم من أخطر أمراض عصرنا؛ حيث إن الجميع يُدلي بدلوه في جميع القضايا وبخاصة في القضايا الإسلامية، مع أنها من أكثر الأمور التي تتطلب التخصّص.. فمثلًا من تلقى تعليمًا في أي مجالٍ على مستوى الشهادة الثانوية، فعليه أن يتحدّث على حسب مستواه.. فمن لم يكن متخصّصًا في مجال الطب أو الهندسة فلن تُتاح له فرصة الإدلاء برأيه فيهما ولو بكلمة، فكل علم له من يتكلم فيه من أهل الاختصاص، إلا القضايا الإسلامية، فالكل يخوض فيها ويقول كل ما يدور بباله. أجل، حين يدور النقاش حول قضية إسلامية ترى الجاهل ينبري لها فيحلل القضايا اللغوية ويُصدر الأحكام.
المجادلة بغير علم من أخطر أمراض عصرنا؛ حيث إن الجميع يُدلي بدلوه في جميع القضايا وبخاصة في القضايا الإسلامية
فالقرآن يذم وينتقد هذه الشخصية قائلًا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ (سورة الْحَجِّ: 22/8).
فهذه هي شخصية أخرى من الشخصيات التي عرضها القرآن وقدمها للأنظار في بيانه وأسلوبه المعجز الذي لا يُجارَى فيه، ونحن من خلال هذه الموازين القرآنية نستطيع أن نميز بين كل واحد من هذه الشخصيات، ونصْدِر حكمَنا فيها، ففي هذا المجال أيضًا يُثبت القرآن الكريم لمن يستمعون إليه أنه بأسلوبه البديع هذا ليس بكلام بشر بل هو كلام الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر، محمد فتح الله كولن، البيان الخالد: لسان الغيب في عالم الشهادة، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2017م، صـ190/ 191.
ملحوظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.