إذا ولج الناسُ منازلَ قلوبكم ينبغي ألاّ يقلقوا من البقاء واقفين، خصِّصوا مقاعد في قلوبكم للجميع مهما اختلفوا عنكم. قولوا لهم بثقة: “مقعدكم محجوز في قلوبنا”. إن تنمية هذه الروح يحتاج إلى تربية. يحتاج إلى تربية في الأسرة، كما يقتضي ألا يفسد الشارعُ تلك التربية، ويحتاج إلى أن تحوّل المدرسة تلك التربية إلى علم، يحتاج إلى أن يرقى المسجد بتلك التربية إلى آفاق الروح. أمّا إذا كانت الأسرة محرومة من هذه الرؤية، وإذا كانت الشوارع مشوهة، والمسجد أسير النمطيات والشكليات، والمدرسة خالية من الحياة القلبية، إذا كان كل شيء يدور حول الذات والمادة والجسد والغريزة، عندئذ يتعذر نموّ هذه الروح. أما إذا نمت بصورة تكاملية، فإن هذه الفضاءات ستدعم بعضها بعضا، ولن يهدم فضاء ما بناه الآخر، لن تضيع المعاني التي تشرّبها المرء في بيئته الأسرية وسط الشوارع هدرا، بل سيأتي المسجد ليعمّق تلك المعاني في روحه، وتأتي المدرسة تغذي عقله وتعلمه كيف يقرأ السنن الكونية والأشياء والحوادث وتحوّله إلى إنسان يجيد قراءة الكون بعمق. عندها سيأتي التعمق الحقيقي، ولن يُهدَم ما تم بناؤه، لن يُفسِد الشارعُ ما غرسته الأسرة، ولن يتناقض المسجد مع المنزل، ولن تتناقض المدرسة مع المسجد. إذا سارت هذه المحاضن وأمثالها من المحاضن والفضاءات الأخرى في اتجاه واحد فسوف يتحرر الإنسان من جسمانيته وطينيته –إلى حد ما- ويرتقي إلى حياة القلب والروح. عندئذ سيشعر برحابة في قلبه، فيفتح صدره للجميع، ويسعى إلى إقامة جسور بينه وبين الناس أجمعين.