نشر الأستاذ فتح الله كولن بيانا للرأي العام نفى فيه كل المزاعم التي تُروّج لها السلطة الحاكمة في تركيا عبر وسائل الإعلام الموالية لها حول التحضير لمحاولة انقلاب جديدة بإيعاز من حركة الخدمة، كما جدد نفيه أي علاقة له بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت أحداثها منتصف شهر يوليو 2016.
وفيما يلي ترجمة البيان الذي نشره الأستاذ كولن حول إشاعات التحضير لانقلاب جديد في تركيا بإيعاز من حركة الخدمة:
إنني بصفتي أحد ضحايا الانقلابات التي وقعت في فترات مختلفة من تاريخ الجمهورية التركية، أعتقد جازما بأن الديمقراطية لا تتحقق بالانقلابات ولا تتم حمايتها بوسيلتها أبداً. وكما ذكرتُ مسبقا، فإنني والمتعاطفين معي من حركة الخدمة نؤكد على مشروعية من وصل إلى السلطة عبر انتخابات نزيهة، ومن ثم نرفض رفضا باتا كل طريق أو وسيلة غير ديمقراطية تطيح بهؤلاء المنتخَبين من مناصبهم. وهذه القناعة لا يمكن أن يزحزحها عن مكانها ما نتعرض له الآن من ممارسات عنيفة وانتهاكات قاسية لا تتفق مع المعايير الدولية للحقوق الإنسانية العالمية.
إنني أستنكر بكل شدةٍ الانقلابات وأي محاولات انقلابية، بل أستنكر فكرة الانقلاب جملةً وتفصيلاً، ولقد عبّرت في مناسبات عديدة عن رفضي لكل من يحمل أو يتبنى آراء وأقوالا أو ممارسات تدعم ذلك حتى ولو كان من أفراد الخدمة.
إنه لمن المستهجن ذلك الإصرارُ العجيب من قبل النظام التركي الحالي على تقديم شخصي باعتباره العقل المدبر للمحاولة الانقلابية الدنيئة التي تمت منتصف يوليو/تموز الماضي (٢٠١٦)، وتصويري على أنني المهندس المخطط لها، رغم تصريحي العلني المتكرر بإدانتها، وإدانة من قاموا بها، ونفي أي علاقة أو دور لي فيها، أو بمن قاموا بها في أي مرحلة من مراحلها.
لا يمكن لأحد ممن تَشرَّب فكر الخدمة وآمن برؤيتها في نشر المحبة والسلام وروح التعايش في شتى بقاع الأرض أن يكون متورطا في مثل هذه الأعمال الخائنة. إن هؤلاء الذين يزعمونهم أنهم مقرَّبون لي وينسبون إليهم الاضطلاع بدور في هذه المحاولة لا يمكن أن يكونوا من أبناء الخدمة، فأبناء الخدمة لا يقومون بأي عمل يخدم البؤر والدوائر التي تسعى جاهدة لاختلاق أدنى صلة للخدمة بالإرهاب تارة والمحاولات الانقلابية تارة أخرى.
لقد دعوتُ بعد كل هذه الاتهامات المختلَقة التي لا يسندها دليل ولا واقع عقب هذه المحاولة الانقلابية الخائنة مباشرة إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تنزع القناع عن المتورطين الحقيقيين في هذه المحاولة، وأعلنت قبولي ورضائي بكل ما يتم التوصل إليه. لكن هذه الدعوة لم تجد لها آذانا مصغية حتى الآن، ولم تتخذ السلطات التركية حيالها أي إجراءات، واستمرت في تجاهلها، وواصلت حملاتها القمعية الغاشمة ضد متطوعي الخدمة بذريعة الانقلاب ودون أي دليل يثبت دعاويهم تلك.
ولا شك أن إصرار القيادة التركية على هذه الممارسات، وتجنّبها إجراء تحقيقات نزيهة في هذا الموضوع، والتصريح بأنه لا داعي للتحقيق اعتمادا على الاعترافات المنتزعة من أصحابها تحت وطأة التعذيب أمر يعزز من الشكوك والشبهات التي تدور حول رغبة الحكومة في التغطية على الفاعلين الحقيقيين. وإن مسارعتهم إلى اتهام حركة الخدمة منذ الساعات الأولى لهذه الأحداث -وهم الذين نفوا أي علم مسبق لهم بها إلى وقت نزول الدبابات إلى الشوارع- ليعدّ خير دليل على تأكيد رغبتهم تلك.
لقد بات واضحا أن هذه موجة عاتية أخرى من الموجات التي بدأت حلقاتها من قِبَل النظام في تركيا منذ سنوات لاغتيال الشخصية المعنوية للخدمة، من خلال عقد صلة بينها وبين العنف والإرهاب قديما، ثم الزعم بأنها وراء هذه المحاولة الانقلابية الغادرة حديثا.
لقد باءتْ كل هذه المحاولات بالفشل، فلقد نجح أبناء الخدمة بصمودهم وثباتهم، والتزامهم الطرق القانونية في الدفاع عن حقوقهم، وعدم الحياد عن نهجهم السلمي الإيجابي في إفشال هذا المخطط، وإجهاض كل المحاولات الرامية إلى تشويه الخدمة، ووصمها بالإرهاب والتآمر.
وانطلاقا من ذلك كله، وفي إطار حملة جديدة لتصفية مجموعة كبيرة وعدد هائل من المعتقلين وخاصة من أبناء الخدمة، يتم الترويج هذه الأيام عبر وسائل مختلفة لاحتمال حدوث محاولة انقلابية ثانية، ويطالبون في حملات منظمة بعزل المعتقلين في سجون منفصلة، وخاصة المنتمين منهم لحركة الخدمة تمهيدا لقتلهم جميعا عبر دعوة مروعة تقشعر منها الأبدان.
لذلك أعرب عن قلقي -إزاء تردد هذه الإشاعات- من تدبير مكيدة جديدة تستهدف شعبنا والمتطوعين من أبناء حركة الخدمة على وجه الخصوص، تحت ذريعة هذه المكيدة.
إني أغتنم فرصة هذا البيان لأعلن مجددا للعالم بأسره أن أبناء حركة الخدمة لن يتخلوا أبداً عن ولائهم للديمقراطية وسيادةِ القانون واحترام مبادئه، مهما بلغ حجم التنكيل بهم والتعدي على حرياتهم وممتلكاتهم، ومهما بلغ حجم الانتهاكات والتمييز الفئوي ضدهم.
إن أولوية هؤلاء الذين لم يؤذوا حتى النملة هي محاربة الجهل والفقر، ودعوة الناس إلى تبني قيم العيش المشترك والتسامح، لترسيخ أسس المحبة والسلام في شتى بقاع العالم. وسيظل العمل الإيجابي البنّاء هو الراية التي ترفرف فوق رؤوسهم وهم يواصلون السعي نحو هذه الغاية، ولن يتركوها أبدا من أيديهم مهما قابلوا من عقبات.
هذا البيان أقدمه للناس جميعا مع بالغ احترامي وتقديري للجميع.
وعلى الله قصد السبيل وهو وحده المستعان.
بتاريخ 5 أكتوبر2016