لم نتحالف مع أي حزب سياسي على أساس مصلحي أبدًا. حافظنا دائمًا على استغنائنا. دائمًا ما اعتبرتُ السعي إلى المناصب والمساومة من أجلها خيانة للمبادئ التي آمنا بها. لا أقول شيئًا حول اجتهادات الآخرين وأفكارهم، فلكلٍّ رأيه واجتهاده، ولكن دائمًا نظرت إلى طلب الدنيا ورغبة الحصول على الإعجاب والشهرة على أنها خطر على آخرتي، وكذلك إخواني.
نحن لم نطلب قط إدارة عامة، ولا منصبَ محافظ، ولا وزارة. وإذا كان بيننا من طلبوا ذلك -إلا أني لا أتذكر شيئًا من هذا القبيل- فليسوا منّا، وإنْ وُجدوا سابقًا فلم يبق أحد منهم بيننا اليوم، وقد بيّنتُ رؤيتي هذه لرجال الدولة مرارًا.
نحن حاولنا وبإخلاص تقديم الدعم اللازم لتطوير الديمقراطية، والحقوق والحريات الأساسية وما شاكل ذلك، علمًا بأننا ندعم كل حزب يسعى إلى إنهاء الممارسات غير الديمقراطية وإحلال ثقافة الديمقراطية التعددية. من هذا المنطلق نقول، إن التحزّب الأعمى شيء، ومؤازرة الإجراءات الديمقراطية شيء آخر. نحن نقف اليوم في المكان نفسه الذي وقفنا فيه بالأمس.
إذا فقدت تركيا ثراءها الديمقراطي وانكفأت على ذاتها، فلا تضر شعبها فقط بل تضر كل من اعتبرها نموذجا، وعلّق آماله عليها.
أما من بدّل مكانه فهو من يجب النظر إليه. فهل يعقل أن نستمر في دعم حزب سياسي قام قبل بضع سنوات بخطوات إيجابية حول مسألة الحقوق والحريات الأساسية، ثم هو اليوم يمنع الإنترنت، ويصدر قوانين تكاد تجعل الدولة “دولة استخباراتية”، ثم يسعى جاهدا إلى طرح الممارسات الديمقراطية جانبًا، ويحاول إفساد التناغم والسلام المجتمعي بلغته الحادة والجارحة؟
لو كان التضرر -مثلا- يقف على حد حركة الخدمة لكان من الممكن استساغة ذلك بشكل أو آخر، ولكن الحالة التي توصّلنا إليها اليوم يجب أن تُقيَّم من منظور أوسع. تركيا مع الأسف، بدأت تنفصم عن العالم، وتنعزل. إن دولةً كتركيا إذا فقدت ثراءها الديمقراطي وانكفأت على ذاتها، لا تضرُّ شعبها فقط؛ بل تضرُّ كلَّ مَن اعتبرها نموذجًا حسنا له، وعلّق عليها آماله.
المصدر: كلمات شاهدة، فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر
ملحوظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.