بمشاعر ملؤها الأسى والحزن العميق، الراضي بقضاء الله وقدره، استقبلت خبر وفاة العالم والمفكر الهندي الأستاذ وحيد الدين خان، فقد كان -رحمه الله- واحدًا من أهم علماء الهند، الذين جمع فكرهم بين المنهج الإسلامي والمنهج العلمي، وكانت دعوته على طول مسيرتها تدافع عن السلام وتدعو إليه، كما كان عاشقًا للقرآن وللحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وممثلاً مخلصًا لمنهاج أهل السنة والجماعة، مقتفيًا أثر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء رضي الله عنهم جميعًا.
إنني أضرع إلى الله في هذه الأوقات المباركة، أن يسكنه أعلى فراديس الجنان، وأن يمن على أهله وذويه وكافة محبيه في جميع أنحاء العالم بالصبر والسلوان، وأن يربط على قلوبنا جميعا.
إن الأستاذ وحيد الدين خان كان رائدًا حقيقيًّا للفكر الإسلامي بالهند، فقد مثل الإسلام بكرامة داخل بلده وخارجه، وعمل جاهدًا على خدمة الإسلام والإنسانية في العصر الحديث، مستعينًا في ذلك بمعرفته الدينية الواسعة، واطلاعه الكبير، وآثاره الممتدة إلى لغات متعددة؛ فلقد ترجم القران الكريم إلى كل من اللغة الإنجليزية والهندية والأوردية، حتى يستطيع المسلمون الناطقون بهذه اللغات فهم القرآن بصورة صحيحة. كما كرّس جهوده لإحلال السلام المجتمعي داخل الهند بين المسلمين والهندوس، داعيًا إلى نبذ الاقتتال بين الأشقاء، ووقف الحروب على مستوى العالم، والسعي إلى حل النزاعات لكي ينعم العالم بالسلم والأمان والطمأنينة.
لقد رحل الرجل عن عالمنا، وانطلق إلى أفق الروح، لكن آثاره التي تركها والتي تربو عن 200 كتاب، وتلاميذه وطلابه ومحبيه الذين علمهم وتأثروا به، وجهوده التي بذلها لخدمة الإسلام وقضايا مجتمعه والإنسانية كافة، كل هذا سيظل شاهدًا قائمًا بيننا يذكرنا به، ويهدي إلى روحه حسنات تُسجَّل في كتابه الذي لن يغلق إن شاء الله أبدا، كلما استفاد من كتبه المستفيدون، وما دام طلابه أحياء ينقلون سيرته وفضله ومنهجه إلى الأجيال من بعدهم.
لعمرُك ما وارَى الترابُ فِعالَه … ولكنَّمَا وَارَى ثِيابًا وأَعْظُمَا