في رثاء فضيلة الأستاذ محمد فتح الله كولن (رحمه الله)

ترجَّلتَ عنْ صَهْواتِ خيْلِكَ مُعْجَـلا كفَـى، إنَّ ضَعْفَ الشَّيْبِ في الجسْمِ قد جَلا
بصَــبرٍ تـحمَّلْـــــــتَ الـمــتاعــــبَ راضـــيًا وقاومـتَ حـتّى بـــانَ جَــهْـدُكَ وانْـجلَـى
وقدْ عِشْتَ ما قدْ عِشْتَ بِرًّا ودعوةً وكَــمْ فــارسٍ بــالـمـــوتِ رغْــمًا تـــرجَّـــلا
بــدأتَ بـ(إزمــيرَ) الكـــفاحَ مـجاهِــــــــدًا على مِنْبرِ الإحـسانِ قُمْتَ مـجَلْجِلا
تُــغـالــــــبُ عـــثْـــراتِ الــطّـــريـــــقِ مُـثابــــرًا وفـي خدمــةِ الإنـسانِ عشْـــتَ مُؤمِّلا
تَــــرَى الديــنَ مِـنْـهاجَ الـحـياةِ جـميعِها ومِــــنْ سِـــيرةِ الـمخْــتارِ تَنْــهَــلُ مَنْهَـــلا
تُــحــاورُ أطـــيافَ الــعـــقــــولِ بـحــكْـمـةٍ فــــــــما كُــنـــتَ إلا بالسّــــلامِ مُـــجـــادِلا
كَأُسْــتَاذِكَ (النُّـــورْسِــي) بـدِيــعِ زَمَـانِــهِ رَفَـــعْــتَ شِـــعَارَ الـحُبِّ حتَّى لمنْ قَلَى
وتابعـــتَ فـي صـدقٍ خـطاهُ فلَمْ تَزَلْ رسَـــالاتُــهُ نـــورًا علَــى الدَّرْبِ مُــرْسـلا
تُـــغالـــبُ عـــثْــــراتِ الطَّـــــريقِ مُــثابـــــــــرًا وفـي خدمـــةِ الإنـــسانِ عشْتَ مُؤمِّلا
ولَــم يــــكُ مِـــن حُلْــــــمٍ لــدَيْـكَ وغـايــةٍ سِوى أنْ يُضيءَ العلمُ للنَّاسِ مِشعلا
سِــوى أن يُــزال الفقرُ مـن أيِّ وجهةٍ سِـــوى أن يَــظلَّ الــودُّ فيـنا مُسَلْسَـــلا
وفـي سَــــفْـــرَةٍ تُلْقَـــى غَــــريـــبًا ولا تَـرى غـــــراسَـــكَ فــي شَـــتَّى البِــــلادِ مُــظَـلِّلا
لكيْلَا تـحُسَّ العُجْبَ في النَّـفْسِ، هَكَذا عَلِمْـــنا، فـــمَا أنْــقَــى السّبيـلَ وأجْملا!
لـ(بـنْـسِـيلـفانـيا) قــدْ رحــلْــتَ مُـخَــلِّــفًا وراءَك دُنـــيــا بِــــــتَّ فــيــــهــا مُــــكَـــــبَّـــــلا
وقد خاضَ بعضُ القـومِ فيكَ ضلالةً وفــي نــيـــةِ الــتّــرحــالِ جَـــهْــــلًا تَقَــــــــوَّلا
فلا تـبْـتـئسْ إنَّ الـمـــــواقـــفَ أظْهـــرتْ نُفـــــوسًا دهَاها الشَّـــكُّ، حتّى تـغَلْغَــلا
فــجاءتْ وفــي العَيْنــينِ ظُلْمَــةُ تِــيـهِـها وكُــــــــلٌّ عــلَـــى حـــسْـــــبِ هَــــــــــوَاهُ تَأَوَّلا
ومَـــــا عــلِـمـــوا أنَّ ارتــحــالَــكَ خُــــلْـــوَةٌ وفيـــها عبــيــرُ الــــــزُّهـــــدِ لُطْــــفًا تَسَــلَّلا
ففــي القُرْبِ مِنْ مَأوى المخَيَّمِ روضةٌ وبســـــتانُ زَهْـــــــرٍ بالـجَـــــمَالِ تَـــكَــــلَّـــلا
تـمـــرُّ سنــيــنٌ لا تــــــراهُ، فـــمَـــنْ يَــكُــــنْ بآمــــــالِ ذاكَ الــــدِّيــــــنِ والــهـــــمِّ مُثْـقَلا
فَـحَاشَاهُ أنْ يُلْهَـى عن القَصْدِ لـحْظَةً بــــلِ اللهُ -جَــــــلَّ اللهُ- نـــجْــــــــــوَاهُ أوَّلا
علَى قَـــــوْلِ (إيتوني) وقَـــــفْــتَ مُــلَــبِّــــيًا نِـدَا الـحـقِّ، حَسْبُ القَلْبِ مَا قَدْ تَحَمَّلا!
بـــمــــوْتــــكَ يــا أســــــــتاذُ تــــبْـــدأُ رحـــلـــةٌ تــــنادِي قــلــــــوبَ الــــــــرَّائـعــيـنَ لِـتُــقْـــبِلا
إلَـــيــــكَ وُجـــــوهُ الـخلْقِ جاءتْ بلَهْفَةٍ تَــسَابقُ مَــــنْ فِيـها سَيَــــحْـدوكَ للملا؟
أَتَـــــتْ بـــالــــــوَفَا مِــــنْ كُــلِّ فَــجٍّ؛ مَـحَبَّةً تَـــــزُفُّ نَـــدَى الدَّعْــــواتِ حَـقًّا مُؤَصَّلا
وليـــــسَ لــــــها إلا الـــــتَّــآلــــــفُ قِـــبْـــــلَـــــةً وليــــسَ لَــهَا إلا الـــتَّـــراحُــــــــمُ مَــنْــــــــــــزِلا
عـــــطاؤك للإنــــسانِ عُــنْــــوَانُ خَطْــوِها وعِلْمُكَ سُقْيَا كُلِّ مَـــنْ هَـــــلَّ مُـــــقْـــبِلا
وكَــــمْ قــــدْ نَشَــــدْنا فـي ظِلالِكَ راحَـةً وكنتَ مِنْ الإضلالِ والوَهْــــمِ مَــــــوْئِلا
وصيَّتُكَ العُظْمَى علَى الرأسِ تاجُــها بطُهْرِ الـخُطَا تشْدُو، وإخلاصُها عَلا
وَسَـــــلْ سيِّدي (إيـمازَ) عـــمّا أتَى بـها تـجِـــدْ وَرَعًا تقْــــــوَى وخَــــــوْفًا مُـــــزَلْـــزلا
وحسْبُكَ في أرضِ الإقامةِ قدْ سَـمَتْ أَذَانــــاتُ ربّــــــــــي رحـــــمــــةً وتَـــفَــــضُّــــلا
أيَا حـــاديَ الفُــــرْسانِ فَـــقْـــدُكَ مُــوجِعٌ وهيْهاتَ يـحْلُـــو العَـيْـــشُ مهْمَا تَهَـلَّلا
فـقــــدْ كـنــــتَ راحًا للنـفــــــوسِ وراحــــةً تـحُلُّ بطَـــرْفِ الـعَــيْنِ ما كانَ مُشْــكلا
ولكنْ برَغْمِ الموتِ يسمو علَى المدَى سَــنَا رُوحِـــكَ الشَّــمَّاءِ خــيْــــرًا مُــؤَجَّلا
وَذِكْـــــرُكَ يعْلُـــــو فـي الـمحافِلِ مُلْهِـمًا وباسْــمِكَ يـبْـــقَى الُـحبُّ فينا مُسَجَّلا

(*) العربي عمران: شاعر وأديب مصري.