أمره أوسلو الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التركي، أحد أشد المعجبين بأفكار ملهم حركة الخدمة فتح الله كولن، أحبه لأنه اهتم بالأطفال الفقراء ولا سيما أطفال الأناضول الأذكياء، حيث فتح أمامهم الآفاق، وأتاحت رؤيته التعليمية التي ترجمها محبوه لهم فرصًا للدراسة الجامعية، ووفرت لهم أماكن آمنة، وأخذتهم من قراهم إلى مختلف أنحاء العالم.
أمره أوسلو في مقال تقييمي لأفكار وآثار كولن على حسابه الشخصي بمنصة إكس (x) بعنوان “كولن في نظري”.
ذكر أوسلو أنه عندما سمع باسم فتح الله كولن لأول مرة كان منخرطًا في حركة “الرؤية الوطنية”، التي أسسها وقادها الراحل نجم الدين أربكان، الذي يعبر الأب الروحي لما يسمى بـ”الإسلام السياسي” في تركيا، معترفًا بأن مشاعره الأولى تجاه كولن وفكره وحركته كانت سلبية.
وأوضح الكاتب الذي سبق أن عمل أستاذًا في الأكاديمية الشرطية بتركيا أيضًا، سبب نظرته السلبية إلى كولن قائلا: “في تلك الفترة، لم يكن للحركة التي أطلق عليها كولن اسم “حركة الإيمان” تأثير كبير في الأناضول، حيث كنا مسلمين بالفطرة والعادة، والإيمان كان تقليدًا عائليًا بالنسبة لنا، فلماذا نحتاج إلى حركة أخرى يا ترى؟”.
لكنه استدرك قائلا: “عندما انتقلت إلى أنقرة للدراسة الجامعية، لاحظت أن الأمور الطبيعية التي كانت تعتبر جزءًا من الحياة في مدينتي مالاطيا شرق الأناضول، كحضور الجلسات الدينية والصيام والصلاة، كانت ممارسات مقتصرة على سكان الأحياء العشوائية في أنقرة، وكان أهل أنقرة ينظرون إليها نظرة إهانة. بالإضافة إلى ذلك، كلما اقترب الشحص من مراكز الدولة والجامعة والمؤسسات الفكرية، كان الابتعاد عن الدين والإيمان واجبًا أو ضرورة كمالية”، في إشارة منه إلى ما يسمى بـ”الفكر الكمالي” الذي نسبه بعض القوميين العلمانيين المتشددين إلى مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، وفقًا لرؤية أوسلو أيضًا.
وواصل أوسلو تحليله لميراث كولن الفكري والأثر الذي تركه في المجتمع قائلا: “في هذه المرحلة، بدأت أفهم مدى قيمة رؤية وكفاح/جهاد كولن. كانت قضية الإيمان بالنسبة لكولن في الواقع نوعًا من “المقاومة الإيجابية”.. مقاومة وكفاح في سبيل تذكير الناس بحقائق الإيمان بعدما ابتعدوا عن الدين والإيمان بيد الدولة، وتجديد الفهم الديني بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث بعدما تآكل بسبب التحضّر. خصوصًا إمساك كولن من أيدي أطفال الأناضول الأذكياء، وانفتاحه بهم على آفاق العالم كان ينطوي على قيمة كبيرة”، على حد تعبيره.
وعزا أوسلو سبب حبه لكولن إلى دعمه الأطفال الفقراء في قرى وبلدات وأرياف تركيا، وإتاحته لهم فرصًا للدراسة الجامعية في مراكز المدن والمحافظات الكبرى، وتوفيره لهم أماكن آمنة، وإخراجه إياهم من قراهم الصغيرة إلى مختلف أنحاء العالم الفسيح.
وزعم أوسلو أن كولن كان يمثل النقيض الحقيقي للنظام الكمالي الذي قدم امتيازات هائلة لشرذمة قليلة من القوميين العلمانيين المتطرفين، وحرمها من أبناء الأناضول، منوهًا بأن هذا الوصف هو سبب كراهيتهم الشديدة للراحل، لكنهم فشلوا في مواجهته على الصعيدين الفكري والعملي، بحسب رأيه.
وتابع أوسلو: “عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر، أطلق كولن مبادرة “الحوار” لإثبات أن “المسلم لا يمكن أن يكون إرهابيًا”. وعندما أصبحت هذه المبادرة تهديدًا لأولئك الذين يستغلون التوتر بين المسلمين والمجتمعات الأخرى ويخلقون من خلاله النفوذ السياسي في البلاد، تعرض كولن، من قبل العلمانيين أولا، ومن قبل الإسلاميين في وقت لاحق، للاتهام بتقويض جوهر الإسلام تحت شعار الحوار. في الواقع، كان الذي يقوضه كولن هو بذور الكراهية التي زرعت باسم الدين، ولذلك أصبح هدفًا للشيوخ المشحونين بالكراهية”.
ووصف أوسلو كولن قائلا: “إنه كان، بالنسبة لي، كيميائيًا يسعى لتقديم علاج للعالم، يمزج بين القيم القديمة للأناضول وقيم الإسلام. وكانت المحبة جوهر هذا العلاج، وفي حينه هدفه – على حد تعبيره – تمثيل اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل مكان في العالم بما يليق بمكانته. فضلًا عن أنه كان يدعو لتحقيق ذلك في إطار الديمقراطية بعيدًا عن أي نوع من أساليب العنف”.
ورأى أوسلو أن ذلك الهدف السامي بدا في البداية بعيد المنال بسبب قلة الموارد البشرية والمالية، وعدم وجود دعم حكومي، مستدركًا: “لكنني أدركت أنه ليس مستحيلًا عندما رأيت الآلاف من الناس من جنسيات مختلفة يشاركون في جنازته”.
ولفت أوسلو إلى أنه قد لا يكون التراكم المادي لكولن كافيًا لبناء كل لبنات مآذن الحوار بين الأديان والثقافات، لكنه شكل أساسًا قويًا يمكن أن يكون غراء رابطًا بين تلك اللبنات، وأضاف: “عندما صعد كولن إلى المنابر، كان الإسلام يختزل إلى فهم قديم محصور في أحياء العشوائيات في المدن التركية الكبرى، لكنه نجح في إخراج الإسلام من تلك الأحياء إلى مركز الحياة.. كما نجحت في ذلك نسبيا حركة الرؤية الوطنية للراحل أربكان”.
وفي الختام أكد أوسلو أن فكر كولن ونضال جماعته/حركته أصبح اليوم حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، خاصة في مواجهة “غيتوات الإسلام” التي تهدد شوارع الغرب -بحسب وصف الكاتب – متوقعًا أن تتيح أنشطة التعليم المستمرة في كل أنحاء العالم أن تتيح تمثيلًا ناصعًا وباهرًا للإسلام كدين سلام في الأحياء المسلمة بالدول الغربية بدلا من الاتجاه نحو التطرف.