إن ثلثي آيِ القرآن تقريبًا متعلق بموضوع الآخرة بشكل أو آخر، وقد ذكرنا بعض الأمثلة المتعلقة بهذا فيما سبق، ومن ثم نحيل القارئ الكريم إلى تلك المباحث لننبِّه في هذا المبحث بشكل موجز إلى الكتب السماوية الأخرى، والإشارات التي احتوتها تلك الكتب حول عقيدة البعث بعد الموت[1].
لقد جاء الإنجيل مصححًا لما حُرّف في التوراة ومصدقًا لما بقي على صحته، وقد تحدثت التوراة بإسهاب عن الآخرة ومشاهدها، لذا اكتفى الإنجيل بتصديقِها ولم يفصِّلْ في الموضوعِ مرَّةً أخرى، ومع ذلك فإنّنا نجد الإنجيل يشتمل على عديد من العبارات التي تتحدّث عن البعث بعد الموت ومشاهد القيامة وصور الآخرة، من ذلك ما ورد في إنجيل متى:
“من عمل صالحًا في هذه الدنيا فسوف يرقى إلى ملكوت الربّ. طوبى للمساكين! فإنهم سيرقون إلى ملكوت السماوات، طوبى للرحماء! فإنهم ينالون رحمة الرب في العالم الآخر. طوبى للمتقين! فإنهم سيرون ربهم”[2].
“إن مَثل ملكوت السماء والأرض كمثل زارع نثر بذوره في مزرعة، فنبتت تلك البذور، وامتدت نحو السماء المنشودة، فإذا بها بعض الشوك، فيأتي بعض من يرى ذلك الشوك إلى صاحب المزرعة فيقولون: سيدنا، لقد تحقق المطلوب، ونمت تلك النبتة وأينعت، ولكن ما هذه الأشواك؟ فيجيبهم قائلًا: هذه وتلك، كلتاهما ضروريتان، فسأل الحواريون المسيح: هل لك أن تشرح لنا سر هذا المثل؟ فقال المسيح: نعم، الزارع هو الله، أما المزرعة فهي الأرض، أما البذور فهم البشر، أما المحصول الذي ابتغي من وراء ذلك الزرع فهم الصالحون من الناس، أما الأشواك فهم الكفار، هنا يتجاور الخير مع الشر، أما في الآخرة فأصحاب الخير يرتقون إلى ملكوت السماء، وأصحاب الشر يقذفون في نار جهنم[3].
لو تصفحنا الإنجيل فسنجد عبارات تتطابق مع آيات القرآن الكريم في حديثها عن القيامة ومشاهد يوم الحساب.
ومنها أيضًا ما ورد في الإصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متى:
“في ذلك اليوم سيأتي المَلِك، فيقفُ الأبرار عن يمينه، والأشرار عن شماله، سيقول الملك للأبرار: اليوم سأكافئكم، لأنني جُعتُ في الدنيا فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وسُجِنتُ فأعتقتموني، واغتربت فآويتموني، فيقولون للملك: يا ربنا، كيف تجوع وتعطش وتسجن وتغترب وأنت الرب؟! فيقول الله: لقد كان لي في الدنيا عباد مستضعفون غرباء، فعرفتموهم وأطعمتموهم وسقيتموهم، فكأنكم أطعمتموني وسقيتموني، وعندما آويتموهم وأعتقتموهم فكأنكم آويتموني وأعتقتموني، ثم يلتفت الرب إلى أهل الشمال فيقول: اليوم سأعذبكم جميعًا، لأنني جعت فلم تطعموني، وعطشت فلم تسقوني، واغتربت فلم تؤوني، وسُجِنتُ فلم تعتقوني، فقالوا: يا ربنا، وكيف تجوع وتعطش وتغترب وتسجن وأنت الرب العظيم؟ فقال الملك: ألا تعلمون حقًّا، لو أنكم أطعمتم عبادي الجائعين، وسقيتم عبادي العطشى، وآويتم عبادي الغرباء، وأعتقتم عبادي المساجين فكأنكم فعلتم ذلك معي”[4].
ولو تصفحنا الإنجيل فسنجد عبارات تتطابق مع آيات القرآن الكريم في حديثها عن القيامة ومشاهد يوم الحساب، ولكن القول الفصل في هذا الباب هو للقرآن المجيد الذي حفظه الله من كل تحريف أو تزييف، وقد تطرقنا في فصل سابق إلى منهج القرآن العظيم في إثبات البعث بعد الموت بصورة موجزة مركزة.
[1] من أجل الحصول على معلومات حول بعض المواضيع التي تشير إلى الإيمان بالآخرة في العهد القديم انظر: الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر إشعياء، الفصل 26/19؛ سفر دانيال، الفصل 12/2.
[2] إنجيل متى، الإصحاح ٥/٣-٨.
[3] إنجيل متى، الإصحاح ١٣/٢٤-٤٣.
[4] إنجيل متى، الإصحاح ٢٥/٣٢-٤٦.
المصدر: نفخة البعث شواهد الحياة بعد الموت.