قد يُساءُ إلى شَرَفِنا وتُكسَر عزَّتُنا ونُؤْذى نفسيًّا في يومنا الحاضر أيضًا، ونتعرَّض للحقد والبُغض والحسد حتى يصل الأمرُ لمعارضة أجمل الأعمال التي نضطلع بها وأكثرها معقولية فتُوصف بأنها شيطانية، وفي فترة زمنية معينة كان يُهاجمكم مَنْ ينزعجون من كلِّ شيء يتعلق بالدين، ويُفتِّشون في كل كل ما يخصُّكم صغيرًا كان أو كبيرًا، ويُخضعونه للمراقبة، وقد مرّت سنوات على هذا، ولكنه لم يتغيَّرْ شيء كثير؛ إذ جاء المتذبذبون- الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء- بعد الملحدين، وواصلوا هذا الظلم، وبعد أن ذهبوا هم أيضًا جاءت هذه المرة مجموعة من المسلمين استجمعت في يدها قوَّةً وإمكانيات معيّنة، وبدأت هي الأخرى تستسيغ المظالم التي ارْتُكبت سابقًا ضدّكم بسبب تديُّنِكم والتزامِكم، وعارضت بأسلوب مُغْرض-لم تتخذْه ضد أيِّ شخص على الإطلاق- المدارس والمدن الطلابيّة ومراكز التأهيل الجامعيّ التي أنشأها شعبُنا المخلص بكلِّ جهد وإخلاص، وأعْدَت هذه المجموعة بعض الناس ضدّ تلك المراكز التعليمية “أملًا في العثور على ثغرة فيها!”، وذلك لأن الحسد والحقد يجعل الإنسان يأتي من الشرور ما لا يأتيه الكافر أحيانًا.
غير أنه لا ينبغي لنا ألا نفزع أو نهتزَّ في مواجهة كلِّ هذه الشرور والمساوئ، وألا نتشدق قائلين: “مَجْدي، وعزَّتي!”، بالعكس يجب الانتباه إلى أنه ثمَّة مظالم وأضرار تقع في محيط إذن الله تعالى لِحِكَمٍ خفيّة، والتي لو لم يأذن بوقوعها لما استطاع أحدٌ أن يضر أحدًا، فيجب الرضا بما يقسمه، والتوجُّهُ إليه تعالى ثقة في رحمته وعطفه، ومن هذا القبيل قول الشاعر:
ما أعذب البلاء إن كان من جلالِهْ
وما أحلى الوفاء إن كان من جمالِهْ
فكلاهما صفاءٌ للروح
فما أحلى لطفه وما أعذب قهره!
ويجب انتظار اللحظات التي ستُنَّسِّمُ فيها تجليات العناية الإلهية، وإن وقع ظلم واضطهاد من أعداء الدين أو حتى ممن يبدون مسلمين ظاهريًّا وشكليًّا ممن يضعون جباههم على الأرض؛ فإنه يجب علينا ألا نتخلّى أبدًا عن أفكارنا ومشاعرنا ومبادئنا الأساسية في هذا الشأن، وينبغي لنا أن نفتح صدورنا للجميع دائمًا، ونعرف كيف نرسل باقات المودة والمحبة لى الجميع، ويجب علينا أن نقابل كل سهم يرمينا به المعتدون بوردة، وأن نمطرهم بالورود بدل السهام، وسواء فهموا هذا أمْ لم يفهموه؛ فإننا سنظل مخلصين صادقين لما نفهمه من القرآن الكريم والسنة النبوية أسلوبًا ومبدأً إلى أن تفارق أرواحنا اجسادنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فتح الله كولن، عقبات في سبيل الحق، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، 206م، طـ1، صـ271/ 272/ 273.
ملاحظة: عنوان المقال من تصرف محرر الموقع.