Reader Mode

رابطة الموت؛ يعني دوام التفكّر في الموت، وكأنه قبالته تمامًا، ويؤكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة فيقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 3/185). ويقول بعض المفسّرين في معنى هذه الآية: (كلّ نفسٍ ستذوق الموت يومًا ما)، وهذا برأيي معنى قاصر جدًّا، أما الفهم الأقرب للصواب -والله أعلم- فهو أن كلّ نفسٍ تذوق الموتَ كلَّ لحظةٍ بشعورٍ منها أو بغيرِ شعور.

إننا نموت ونحيا كلَّ لحظة؛ لأننا عبارة عن مرايا تجليات الله تعالى التي تأتي سريعةً ومتتابعةً لدرجة أننا نعتبر أنفسنا نحيا حياةً دائمةً ليس فيها انقطاع، وهذا يشبه تمامًا الصور التي تتحرّك على شريط السينما، فهي تدور وتتحرّك بسرعة لدرجة أننا نشعر وكأنها تتحرّك على الدوام.

علينا النظر إلى الموت على أنه حادثةٌ تقع كلّ لحظةٍ وليس حادثةً ستقع في المستقبل. مما يجعلنا على أهبة الاستعداد الدائم للآخرة، وأن نصلي صلاتَنا وكأنها آخرُ صلاةٍ لنا في الدنيا.

صل مع جماعة

أد الصلاة في جماعةٍ من المُفْعَمِين بالطمأنينة؛ لأن الصلاة إلى جانب مَن تهبّ النسمات المحمّديّة على أنفاسه حين سجوده؛ لهي وسيلةٌ عظيمةٌ للدخول والانضمامِ إلى جَوِّهِ التعبّديّ، ولذا أمرَنا صلى الله عليه وسلم بالصلاة جماعةً؛ لأن شحنة الفرد الداخلية قد لا تكفي لإدراك الطمأنينة على الدوام، أما الجماعة فتُغْدِقُ على أفرادها دعمَها المعنويَّ بكلّ ما فيه من سكينة.

إذا ما وقفَ الشخصُ في الصلاة بجوار إنسان يسكب العبرات لانَ قلبُه، وأجهش بالبكاء أحيانًا.

فعندَ الروضة المطهرة والكعبة المشرفة تجدُ مَن يبثُّ فيك الخشوع ويَشْدَهُكَ ويأسرُ قلبك بركوعه وسجوده وعبادته الخالصة. وهذا ما نفهمه من الآية الكريمة: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (سُورَةُ البَقَرَةِ: 2/43)، والحديث الشريف “المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”[1]، ومن ثم علينا أن نحبّ هؤلاء العبّاد، ونسعى للصلاة إلى جانبهم، حتى ننعم بهذا المناخ الذي يبعث على السكينة والطمأنينة. وعن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رحمه الله أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: “كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا”[2].

علينا الإقتداء بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتداءً تامًا، وبنفسِ الوقتِ أن نصلّي مع أولياء الله، وندرك ماهيّة عبوديّتهم في قلوبنا.

  نُصلح صلاتَنا قدرَ المستطاع

نحترم إرادتنا بوضعِها في مكانها الصحيح، ونقوم بما يليقُ بذي الإرادة. أجل، علينا أن نُنَشِّط إرادتنا لنسيرَ بها في الطريق الذي يؤدي بنا إلى الطمأنينة. وليست الصلاة بالأمر الهيّن حتى نستهين بها كباقي الأعمال الدنيويّة، بل هي أقدسُ الأعمال ، فعلينا أن نؤدّيها بحقّها، فلا نهملها أو نتسرّع في أدائها فننقرَها كَنَقْرِ الديك حفاظًا منا على أعمالنا الأخرى، بل إن لزم الأمرُ علينا أن نضحّي بأيّ عملٍ في سبيلها. ولا بدّ ألا ننسى أهمّيّة الصلاة في جماعة، فالجماعةُ عند الحنابلة واجبةٌ وجوبَ عينٍ استنباطًا من الآية الكريمة: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (سُورَةُ البَقَرَةِ: 2/43)، وغيرِها من الأحاديث، والشافعيّة جعلوها على الأصحّ المنصوصِ فرضَ كفاية، ورغم أنّ بعضَ الأحناف والمالكيّة يقولون بوجوبها إلا أنّ المعتمد في كِلا المذهبين كونُها سنّةً مؤكَّدة[3]. وأقول إن الصلاة لو أُدِّيت بطمأنينة مع مراعاة جميع أركانها أكسبت المؤمنَ حظًّا ومتعةً وطمأنينةً لا يجدها في غيرها، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (سُورَةُ الرَّعْدِ: 13/28)، لا يتوفّر له في أيّ عملٍ آخر، يكفي أن يشعر الإنسان بهذا الحظّ والشرف وأن يدرك قدر الصلاة وقيمتها.

—————————-

المصدر: محمد فتح الله كولن:”الاستقامة في العمل والدعوة”، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 162-165، بتصرف.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

[1] صحيح البخاري، الأدب، 104؛ صحيح مسلم، البر، 165.

[2] صحيح البخاري، المناقب، 24؛ صحيح مسلم، صلاة المسافرين، 125.

[3] انظر: الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلّته، 2/317.