Reader Mode

إن إبعاد أمة كاملة عن ذاتها وعن هويتها، وزرع أدمغتها بأفكار غريبة عنها، وهدم محرابها، وتحويل منبرها، ليست من الآثـام التي يمكن أن يغفرها التاريخ ولا المحكمة الإلهية يوم الحساب ، إنه إثم كبير أن تُحرَم الأجيـال من العقيدة، ومن الفكر ومن موازين ومقاييس الحق ومن الاستقامة، وتحويلها إلى تجمعات فوضوية وجعلها وسيلة هجوم واعتداء. لأن الهجوم والاعتداء على الأمة وعلى أجيالها وعلى دينها وعلى ثرواتها إثم كبير. ثم إن القيام بمعاقبة هذه الأرواح المتمردة لا يقلّ عن السابق إثمها.

إن من الإثم إهمال الأجيال… إثم أنْ تُحوَّل قلوبها وأرواحها إلى قلوب وأرواح خالية من الإيمان ومن الطمأنينة… إثم جعلها عدوة لماضيها وخصما له، وعدوة لتاريخها ولجذورها… إثم أن تحول –بأشـربة أجنبية- عن ذاتها وعن هويتها… إثم أن تُحرم من نقاط استنادها المعنوية والمقدسة… أجل إنه إثم… وأيّ إثم!

إنه إثم كبير أن تُحرَم الأجيـال من العقيدة، ومن الفكر ومن موازين ومقاييس الحق ومن الاستقامة، وتحويلها إلى تجمعات فوضوية وجعلها وسيلة هجوم واعتداء.

ومن الإثم ألا نعد الإثم إثما

ولكن هناك إثم أكبر من كل ما سبق… وهو عدم عدّ ما فعله وما يفعله هؤلاء المجرمون العتاة الذين قلبوا الساحة إلى ساحة حريق ودمار وفيضان… عدم عدّ ما يقترفونه إثما. أجل!.. إن كان هناك إثم لا يغفره الله تعالى ولا ينساه التاريخ فهو هذا الإثم… أيْ إن عدم عدّ الإثم إثما يشكل إثما بذاته، كما أن عدم التوقي والخشية منه أو الحذر من الاقتراب منه يعتبر رأس الآثام.

وحتى حدس ومعرفة هذا الإثم المسؤول عن كل هذه الآثام العديدة التي نخرت مجتمعنا من الداخل خفية وبخبث، ثم تسليمه إلى القبضة الحديدية للمحاسبة وللمساءلة للحكم عليه، فمن الصعب توقع تجديد الأمة نفسها بنفسها، بل حتى بقاؤها حية.

وصدق الشاعر محمد عاكف حين قال:

لا يعيش المجتمع من دون مشاعر،

دُلّني على أمة تعيش ميتة المشاعر…

ثم إن القيام بالمبالغة في معاقبة هؤلاء -بعد كل سوء التوجيه هذا- لا يقل إثما عن السابق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: فتح الله كولن، ترانيم روح وأشجان قلب، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ، الطبعة الرابعة، ٢٠١0، صـ122.

ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.