سؤال: ما الذي ينبغي على الإنسان من تهيئةٍ فكريّةٍ عند مثوله في حضرة مولاه جلّ وعلا؟ وما الذي يتوجب عليه وهو في هذه الحضرة الإلهية؟.
الجواب: أعتقد أن المقصود بـالدخول في حضرة الله هنا ذلك الدخول الذي تستلزمه جميع العبادات وخاصة الصلاة، فلو كان هذا هو المقصود في السؤال فالصلاة نفسها دخول ومثول أمام الله، ولقد شُرّف النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج بأعظم المنازل وأبهاها بمثوله أمام الله عز وجل، ثم انعكست تلك الحالة العظيمة على منشور ماهيّتنا وتشكّلت في صورة الصلاة.
الصلاة معراج لنا في صورة مُصغّرة.
الصلاة أعظم هدية
في رحلة الإسراء والمعراج عرَج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى، وتحدّث مع ربه مباشرة، ورآه -كما جاء في بعض الروايات- بعيني رأسه على قدر إدراكه دون واسطة أو حجاب أيضًا، ثم جاء لنا بأعظم هدية من الله تعالى وهي الصلاة، وعلى ذلك فهاتان الحادثتان مرتبطتان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا يتعذَّرُ معه التفكير في الصلاة بعيدًا عن المعراج. أجل، إن الصلاة معراج، بل إنها ثمرة تلك الرحلة المباركة؛ رحلة الإسراء والمعراج.
إن التجار يسافرون ويتجوّلون هنا وهناك، ويعقدون الصفقات المتنوّعة، وعند عودتهم لا يرجعون صفرَ اليدين، وهكذا فعل رسولنا صلى الله عليه وسلم، دخل في حضرة مولاه عز وجل لعقدِ صفقةٍ مقدّسةٍ خالدة، وكأن دعوة الحق تعالى له بالمثول أمامه هي بمثابة صفقةٍ رابحةٍ.
إننا في الحقيقة نؤمن بالله دون أن نراه، وفي مقابل ذلك تقرّ عيوننا برؤيته في الصلاة بمعنى ما.
وفي هذه الصفقة لم يطلب منا ربنا تبارك وتعالى إلا العبودية والانقياد له، وفي مقابل ذلك تفضّل علينا بالصلاة، وجعلها معراجًا إليه كمعراج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن سِرْنا على منهَجِهِ أخذَ بأيدينا وما ضَيَّعَنَا.
مثول الرسول بين يدي ربه، ومثولنا له في الصلاة
أجل، إن هناك صفقة، لكنها بعيدة كلّ البعد عن أي نوع من المساومة؛ لأن كل ما وهبه لنا ربنا فضل وإحسان منه تبارك وتعالى. إن الله عز وجل أخذ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم إلى حضرته إحسانًا منه تعالى، وجعله يتحدّثُ باسمنا، وألقى التحيّة عليه، وأرسل لنا السلام عن طريقه، وكما استفاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مثوله بين يدي ربّه استفدنا نحن أيضًا، وبناءً على ذلك أصبحت الصلاة ترمز إلى مثل هذا المثول والقرب من الله تعالى. وعلى الإنسان أن يُقبل على الصلاة وهو مشحون بهذه الفكرة وذلك المفهوم، ومن الأهمية بمكان التهيؤ لهذا الأمر القدسيّ.
إن الفرد بترديده للأدعية كأنه يرتقي في معراج إلى السماء، وهذا باب مفتوح للكثيرين وإن لم يكن للجميع.
خطوات التهيؤ للصلاة
قبل كل شيء يلزم الوضوء عند الاستعداد للصلاة، وأحيانًا يحلّ الغُسْلُ محل الوضوء في بعض الحالات، فكلّما غسَل الإنسان عضوًا من أعضاء الوضوء ارتقى إلى درجة معينة، ونَعِمَ بالنور والحيوية، ولا بدّ أن تُراعى المسافةُ بين غسل كلّ عضوٍ من أعضاء الوضوء؛ حتى ينعم كلّ عضوٍ بالنور والحيوية.
حتى نشعر بمتعة المعراج أسبغ الله علينا رحمته وأخذنا في حضرته بما فرضه علينا من صلوات خمس في اليوم والليلة، فحظينا بشرف مخاطبته والعروجِ الروحيّ إليه جلّ وعلا.
والإنسان يشحذُ روحَه بما يردده من أدعية أثناء الوضوء، وبالمناسبة ثَـمّة أدعية أخرى يردّدها الإنسان في طريقه إلى المسجد، يشعر الإنسان بها نتيجةَ قُرْبِهِ شيئًا فشيئًا إلى حضرة مولاه جلّ وعلا. أجل، إن الفرد بترديده للأدعية كأنه يرتقي في معراج إلى السماء، وهذا باب مفتوح للكثيرين وإن لم يكن للجميع.
كان أمثال زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما عندما يحين وقت الصلاة يصفرّ وجهه ويذبل، وكأنه سيقع مغشيًّا عليه(1). لأن الصلاة تعني المثول بين يدي الحضرة الإلهية، وكأن الإنسان يقابل الحقّ تعالى وجهًا لوجه.
—————–
المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، صـ157-159.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.
(1) انظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/378.