إن هذه الدنيا دار امتحان وتدريب وتربيةٍ أُرسل إليها الإنسان ليترقّى فيها معنويًّا ويصبحَ أهلًا للجنة، فإذا ترقى الإنسان في الدنيا بكل مشاعره وأحاسيسه فسيحظى بمقام القرب من الله والرقي إلى مستوى التأهّل لمشاهدة جمال الله، وإذا تعرضت بعضُ مشاعره ولطائفه للتفسّخ أو الفساد ترتعد فرائصه من خوف سوء العاقبة، وسرعان ما يجدّد العهد ويؤوب إلى صوابه، فمهمة الإنسان الذي هو “إنسان” في الحقيقة هي أن يسلك طريقًا يؤدّي به إلى فطرته السليمة التي تنكشف فيها كلُّ مشاعره نحو تحقيق الهدف مِن خلقِها وغرزِها في الإنسان؛ فإنه إذا طوَّر قلبَه وعقله ووجدانه ولطيفته الربانية وسرَّه وخفيَّه وأخفاه وسائرَ أحاسيسه باتجاه استخدامها لتحقيق الحكمة والغاية مِن خلقِها فإنه سيُعتبر مؤدّيًا ومحترِمًا لِحقّ هذه الودائع الإلهية التي أودعها الله فيه.
إذا طوَّر الإنسان قلبَه وعقله ووجدانه ولطيفته الربانية وسرَّه وخفيَّه وأخفاه وسائرَ أحاسيسه لتحقيق الحكمة والغاية مِن خلقِها فإنه سيُعتبر مؤدّيًا ومحترِمًا لِحقّ هذه الودائع الإلهية التي أودعها الله فيه.
أجل، إن التصرف بهذه الطريقة هو من مقتضى القيام بواجب الاحترام تجاه نفسه وتجاه ربه.. صحيحٌ أن الإنسان إذا لاقى ربه ولو بمجرد الإيمان به فإنه سيحظى بتكرّم من الله وسيَدخُل الجنة إن شاء الله، ولكن إيداع الله هذه الأجهزة الإنسانيةَ في الإنسان تُلقي على عاتقه حقوقًا خاصة ينبغي عليه احترامها.
وانكشاف كل المشاعر الإنسانية وتطوّرُها بحيث يصبح الشخص إنسانًا كاملًا منوطٌ بتأسيسه رابطةً قوية بينه وبين خالقه، ولن يتسنى هذا إلا بأن يقرأ الإنسان ذاتَه وماهيتَه من المنظور القرآني قراءةً جيدةً ويتبينَ موقعه ومكانته في الكون ويتابعَ ما يجري حوله من الأحداث ويقوِّمَها بالقدْر الذي يهمه.
مهمة الإنسان الذي هو “إنسان” في الحقيقة هي أن يسلك طريقًا يؤدّي به إلى فطرته السليمة التي تنكشف فيها كلُّ مشاعره نحو تحقيق الهدف مِن خلقِها وغرزِها في الإنسان.
وقبل أن أختم هذا الموضوع الذي يتمحورُ حول اسم الله “الرب”، أريد أن ألفت النظر إلى بعض القضايا كما يلي:
- إن الشخص الذي يستنفد كل طاقاته للوصول إلى الكمال ضمن نظام معين يتوجب عليه أن يخضع للتوجيهات التي يُؤَطِّرها الخالق العلي في القرآن الكريم.
- وعلى هذا الفرد أن يصرف كل طاقاته القلبية والروحية والفكرية والوجدانية في سبيل إدراك ماهية الإنسان والأشياء والكون إدراكًا جيّدًا وتفسيرِها في إطار نسبتها إلى الله، ولعل هذا هو الهدف من الخلق، ونسمي هذا: “استنطاق الأخلاق الإلهية بلسان الكون”، وأما الجانب الذي ينعكس على الواقع من هذا الأمر فهو الأخلاق السامية التي يوصي بها القرآن الكريم والتي تكون ثمارُها ونتائجُها هي الفوز بالدار الآخرة، فإذا عاش الإنسان بهذه الأخلاق فإنه سيفوز بالآخرة وبرضا الله الذي حباه كلَّ شيء وبشفاعة رسوله الكريم.
إذا ترقى الإنسان في الدنيا بكل مشاعره وأحاسيسه فسيحظى بمقام القرب من الله والرقي إلى مستوى التأهّل لمشاهدة جمال الله.
إن الله تعالى بتجلي ربوبيته العامة يُظهر لبني الإنسان في ضمن قوانينه الجبرية نظامًا أخلاقيًّا، وعلى الإنسان أن يقابل ذلك النظام الأخلاقي بمراعاته وتطبيقه بلسان العلوم الكونية؛ فالله تعالى يعلمنا تلك العلوم بلسان القرآن الكريم، ويربط تطوّرنا في حياتنا الشخصية وعالمِنا الروحي والقلبي واللدني بفهمنا للقرآن؛ فنحن إذ نقول فيما لا يقلُّ عن أربعين مرة كل يوم في صلواتنا: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (سورةُ الفَاتِحَةِ: 1/1) نستحضر هذه النقاط التي تَطَرَّقْنا إليها آنفًا، ونعلن مرةً تلو الأخرى بأننا سنظل مخلصين لعهدنا.
*******************
المصدر: فتح الله كولن، البيان الخالد لسان الغيب في عالم الشهادة، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، 2017، طـ1، صـ468/ 470.