Reader Mode

   تختلف أنواع الإلحاد باختلاف القناعة الشخصية للمرء، وسلوكياته تجاه الإيمان، والتصديق وعدم التصديق بكل ما يجب الإيمان به، ويختلف الشخص اللامبالي بأُسُسِ الإيمان عن الشخص الذي يُنْكِرُ هذه الأسس ولا يؤمن بها. وكذلك يختلف كليةً عن الشخص الذي يرفض كلَّ هذه الأركان والأسس ولا يقبلها، وبعبارة أكثر وضوحًا نستطيع أن نضع الترتيب الآتي:

1- هناك إنكارٌ ناشئ عن لا مبالاة محضة دون تفكير فيما يجب الإيمان به، ونري معظم هذا الإنكار عند مَن لم يعتد التفكير المنطقي، وعند الذين استعبدتهم الأهواء والشهوات، وعند الحمقى والبلهاء، ومن الصعب أن تُعلّم هؤلاء أو تحدّثهم بشيءٍ عن الإيمان، بل يستحيل هذا أحيانًا، فسلوك هؤلاء يتَّصف بالانسياقية، يتحرّكون بشكلٍ موازٍ لحركة الجماهير وحسب الضغط الاجتماعي الموجود حولهم، يندفعون مع التيار، ويسايرون الركب حيث سارَ…

2- الصنف الثاني هم الذين لا يقبلون أسس الإيمان؛ وهؤلاء أيًّا كانت العوامل التي ساقتهم لهذا الإنكار مُلحدون ومُنكرون.

3- الصنف الثالث هم الذين لا يتقبّلون ما يستدعي الإيمانُ قبولَه، وقد ازدادت نسبةُ هؤلاء حاليًّا عن نسبتهم الموجودة في سابق العصور.

الإنكار هو المصدر الأساس للهلاك والمصائب والفوضوية، ولقد عاشت البشرية أكثر أحوالها اضطرابًا في فترات الإنكار والبعد عن الإيمان.

ونستطيع تقسيم الصنفين الأخيرين إلى:

أ. من يُرجِع كلّ شيء إلى المادّة ولا يؤمن بأي حدثٍ غيبيٍّ.

ب. مَن يؤمن ببعض الظواهر الميتافيزيقية والروحية كَـعِلمِ “ما وراء النفس”أي “الخارقيّة”التي تُسمّى: “باراسيكولوجي (Parapsychology)”.

الإنكار والإنسان الطاغية

يُعدّ الإنكار من أبرز صفات بني الإنسان المتجبّر الطاغي، وأحد أسباب الأزمة التي يعيشها شبابُ هذا العصر، والإنكار هو المصدر الأساس للهلاك والمصائب والفوضوية، حتى إننا نستطيع القول إن البشرية عاشت أكثر أحوالها اضطرابًا وتوترًا في فترات الإنكار والبعد عن الإيمان، وكان السادة الأحرار في عصر النهضة ودهماء الثورة الفرنسية أوّل مَن مثلوا هذا الإنكار ونشروه، ثم جاء فيما بعدُ مَن اتخذ هذا الإنكار دينًا، إلى أن انتشرَ هذا الاتجاه انتشارَ النار في الهشيم حتى استولى على أرجاء العالم الحالي.

ليعطي الإرشاد ثمرته يجب أولًا معرفة إلى أيّ صنفٍ من الأصناف ينتسب المنكِر، فإذا طُرِقَ هذا بحذاقة طبيبٍ يتّضِحُ ما يجبُ قولُه للمنكِر،

لقد اتّضَحَ جليًّا في عصرنا الحالي أن الإلحاد ليس إلا فلسفةً بهيميّةً وجنونيّة، وهو موضوعٌ يجب أن يُعْنَى ويهتم به علْم النفس أكثر من اهتمام علم الاجتماع أو علم الاقتصاد؛ ذلك لأننا عندما نقوم بمقارنةِ نماذجِ الجنون وأنواع المجانين في كتب علم النفس مع نماذج ملحدي هذا العصر لا نملك إلا التصديقَ بأن الإلحاد مرضٌ نفسي يجب أن يهتمّ به علم النفس.

ومع أن هذا الموضوع ليس من اختصاصي؛ إلا أننا عندما قمنا بتصنيفٍ بسيطٍ للإلحاد أردنا أن نُبيّنَ بأنه كما أنّ للإيمان درجات ومراتب، كذلك للإلحاد دركات وأنواع، فليس من الممكن اعتبار كلِّ ما يقالُ للمنكِر علاجًا وشفاءً؛ لذا يجب تناول الأنواع المختلفة للإنكار تناولًا مختلفًا، وأن يكون الإرشاد بشكلٍ مختلف، وحسب وضع المنكر ونوعه.

الإلحاد ليس إلا فلسفةً بهيميّةً وجنونيّة، وهو موضوعٌ يجب أن يُعْنَى ويهتم به علْم النفس أكثر من اهتمام علم الاجتماع أو علم الاقتصاد

مراعاة المخاطبين

وبقدر تنوع الإنكار يجب أن يكون هناك أصولٌ مختلفة للإرشاد والإصلاح؛ لنحول دون صدور سلوك خاطئ أو بيان غير لائق، وليعطي الإرشاد والتنبيه ثمرته يجب أولًا معرفة إلى أيّ صنفٍ من الأصناف المذكورة سابقًا ينتسب إليه المنكِر، فإذا طُرِقَ هذا بحذاقة طبيبٍ يتّضِحُ ما يجبُ قولُه للمنكِر، فالضروريًّ هنا:

معرفة نوع إنكار المخاطَب، وهل إنكاره كلّيًّا أم جزئيًّا، وما إذا كان المخاطب يتّسم باللامبالاة أو التعصّب الأعمى؟؛ ليتمّ إعطاء الأهمية للمسألة التي يجب التركيز عليها، ولكي لا نصرف وقتَنا وجهدَنا هباءً.

————————————————

المصدر: محمد فتح الله كولن،الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 95-97 بتصرف.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts