Reader Mode

علينا أن نرضى بما أجراه الله وقدّرَهُ، انطلاقًا من الحكمة القائلة: “الخيرُ فيما اختاره الله”، وهذا القول ترجمةٌ لرضًا يحمل في طياته كثيرًا من معاني التبعيّة والعبوديّة والإخلاص. ولقد جاء في الدعاء الذي علمنا إيّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصانا بأن نقرأه صباح مساء: “رَضِينَا بِالله رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا”(سنن أبي داوود، الأدب، 110).

“ينبغي لنا أن نسلّم له وبما يرضاه بكل ذاتيّتنا، وبهذا العمل ربما نخسر أشياء هنا، ولكن نكسب في الوقت ذاته أشياء أكثر هناك”

إن كنا راضين عن هذا كلِّه، فلنُسَلِّم بما يرضاه هو، يعني: ينبغي لنا أن نسلّم له وبما يرضاه بكل ذاتيّتنا، وبهذا العمل ربما نخسر أشياء هنا، ولكن نكسب في الوقت ذاته أشياء أكثر هناك.

قضاء الله خير لنا

هناك أشياء كنّا نتمنّى وقوعَها في بداية الأمر، ثم فرحنا في المستقبل لعدم وقوعها؛ لأن ما قضى الله به كان أفضل ممّا كنا نتمناه من قَبِيل: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (سورة النِّسَاءِ: 4/19)، وتبيّن لنا أنّ المنعَ أحيانًا يكون هو عين العطاء، فليس الأفضل هو ما نرغبه أو نتمناه، ولكن الأفضل هو ما أراده الله تعالى؛ يعني مشيئة ربنا، وهذا هو السرّ الكامن في روح العبودية، علاوة على ذلك يقول الله تعالي: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 3/26)، فكم من أعزّاء أمسِ أصبحوا بؤساءَ وأذلاءَ اليوم، وكم من أذلاء وبؤساء أمسِ أصبحوا سلاطين اليوم.

“لن ينفعك في الدنيا والآخرة سوى نيل رضا الله تبارك وتعالى، فابحث عنه واجتهِدْ في تحقيقه، فإذا وجدته فاسجد لله واحمده طوال حياتك”

ويقول تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ (سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 70/6-7)، إنه تعالى يرى أمورًا ويكشف لنا عن ماهيتها في المستقبل، ولو اطَّلَعنا اليوم على ماهيّاتها المستقبليّة لتحوّلَتْ رغباتنا، وتغيّرت مجريات حياتنا فورًا، لذا ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ (سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 70/5)، ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (سُورَةُ التَّوْبِةِ: 9/129)، لن ينفعك في الدنيا والآخرة سوى نيل رضا الله تبارك وتعالى، فابحث عنه واجتهِدْ في تحقيقه، فإذا وجدته فاسجد لله واحمده طوال حياتك.

——————————–

المصدر: محمد فتح الله كولن:”الاستقامة في العمل والدعوة”، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص:48-49.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts