Reader Mode

عملت في الوعظ والإرشاد حوالي ٣٠ عاما قبل أن آتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سنة ١٩٩٩، وواصل إخواني وأصدقائي طباعة دروسي ومحاضراتي ومقالاتي بعد أن استقر بي المقام هنا. صدر لي أكثر من ٧٠ كتابا تتضمن مقالاتي ودروسي ومحاضراتي، وهي متوفرة في كل مكان. فمن الطبيعي أن يكون في الدولة التركية من يتقاسمون معي نفس الرؤى والأفكار، كما يمكن أن يكون فيها من يعارضها.

العمل في إطار القانون

أكدت في توصياتي طوال حياتي -ولا زلت- على ضرورة العمل في إطار القانون والالتزام بالقيم السلوكية. فإذا اخترق واحد ممن يقرأ مؤلفاتي ويتعاطف مع أنشطتي القوانين السائدة أو المبادئ الأخلاقية، أو خرج على التعليمات القانونية التي تأتيه من مدرائه، فإنه قد ناقض القيم والمبادئ التي أدعو إليها، وبالتالي سأكون داعما لمقاضاته أمام القانون وعليه أن يتحمل نتائج اختراقاته تلك.

موظفو الدولة وتنوع انتماءاتهم

إن مؤسسات الدولة مرآة للمجتمع، تعبر عن جميع الألوان والأطياف والمكونات التي يحتوي عليها، طبعا في حال لم يكن هناك إقصاء أو تهميش أو تمييز فيما بينها. وجميعنا يعلم أن مؤسسات الدولة التركية تشتمل على فسيفساء من الموظفين ينتمون إلى تيارات سياسية شتى وديانات مختلفة وانتماءات ثقافية متنوعة من وطنيين وقوميين متطرفين وشيوعيين وكماليين وعلويين ويساريين وصوفيين إلخ. لم تستطع أي من هذه المجموعات أن تعبر عن وجودها بشفافية ما عدا التيار الكمالي بسبب سياسات التمييز والتهميش التي مورست، والانحياز المتطرف للأيدولوجية العلمانية الكمالية من قبل الدولة. أما اليوم فقد تم استبدال الولاء لأتاتورك بالولاء لأردوغان كمقياس للقبول والاعتراف على الصعيد الوطني.

من حق كل مواطن تركي دستوريا أن يخدم في مؤسسات دولته إن كان مؤهلا لذلك ومحققا لكافة المعايير المطلوبة منه لحيازة ذلك المنصب. وفي هذا الصدد، إن توجيه أي تهمة إلى أي فرد يعمل في جهاز الدولة على أنه يحمل نوايا إجرامية خفية من دون تقديم أدلة ملموسة على ذلك، لا يعدو أن يكون محض افتراء. وإذا كان الناس يتوجسون من إبراز انتماءاتهم خوفا من التصفية أو الطرد من وظائفهم، فهذا ليس ذنبهم، إنما هو ذنب الحكومة.

وإذا ألقيتم نظرة شاملة إلى جميع مؤلفاتي ودروسي، فسوف تجدون أنني لم أناصر ولم أدعُ إلى أي تغيير في تركيا بوسائل غير ديمقراطية قط؛ بل قبل٢٢ عاما في سنة ١٩٩٤، أعلنت في لقاء جماهيري أن لا خيار آخر ولا رجعة لتركيا ولا لأي بلد في العالم عن الديمقراطية بعد اليوم. وسائل الإعلام الموالية للرئيس أردوغان اليوم وجهت لي انتقادات لاذعة آنذاك، بل كادت تصنفني في عداد الكفار. وعندما فرض الجيش سلطانه على السياسة الداخلية في أواخر التسعينيات وبدايات سنة ٢٠٠٠، رُفِعت قضايا ضدي في المحاكم التركية، لكنهم لم يستطيعوا أن يقدموا أدنى دليل يثبت مساندتي لنظام آخر عير الديمقراطية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: مواقف في زمن المحنة حوارات إعلامية مع فتح الله كولن، إعداد صابر المشرفي/ نوزاد صواش، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2017م، 172/ 173/ 174.

ملحوظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.