أولا: الأمراض المتوقعة من زواج الأقارب هي:
الأمراض الوراثية: وهي أمراض تنتقل من جيل إلى آخر وراثيًّا، وأكثر ما تظهر لدى أبناء أزواج بينهم قرابة قريبة؛ فغالبًا ما يتوارثون عن الجد المشترك أكثر من “جين” يحمل مرضًا وراثيًّا؛ وتنتقل الصفات الوراثية من مادة تسمى “DNA” تتجمع في وحدات تحمل معلومات منظمة لتطور الكائن الحي اسمها “الجينات”.
من الإفراط منعُ زواج غير المحرم نكاحهم من الأقارب مطلقًا
ويُورِث نقص الإنزيمات بعض الأمراض الوراثية، فالتفاعلات الكيموحيويّة لا يتحقق منها شيء إلا بوجود الإنزيمات، علمًا أنّ المركبات والجزيئات كلّها لها تسلسل محدّد، فلا توجد مادة تتحول إلى منتج مباشرة، بل تمرّ بسلسلة متنوعة من المركبات، وتضاف مواد جديدة لكلّ مركب أو تُستخرج منه حتى يتكون المنتجُ المطلوب.
وثمة نحو 28 مرضًا وراثيًّا تَبين أنها ناتجة عن نقص في الإنزيمات، ويُعتقد أنها وراء التخلف العقلي مثل المنغولية والفينايلكيتونوريا (Phenylketonuria)، وبعض أمراض الدم مثل فقر دم البحر الأبيض، وبعض الأمراض الوراثية مثل بِيْلة سِسْتِينِيّة (Cystinuria)، والجلاكتوسيميا (Galactosemia).
ثانيًا: لم يحض الإسلامُ على زواج الأقارب وإن أجازه في غير مَن يحرم نكاحُهم، أما الأقارب الذين يحرُم نكاحُهم فيشكّلون كَمًّا لا يُستهان به.
ليس الضرر في زواج الأقارب بل في أمراض الأبوين الوراثية التي تزداد مع الزواج وتظهر في الذرية؛ فلو أن سلالةً أو عشيرةً أو قبيلةً تحمل مرضًا، وتزوج منهم اثنان يحملان المرض نفسه يظهر هذا المرض؛ يعني أن الطفل يرث عن والديه مرضًا كان مكنونًا فيهما ولم يظهر؛ وهل يختلف الأمر إن كان الأزواج الذين يحملون المرض غرباءَ، هذا من الشرق وذاك من الغرب؟ لا فرق، فالخطر كل الخطر في اجتماع زوجين يحملان مرضًا تظهر أعراضُه على الطفل بقوّة، أيًّا كان المرض وحيثما كان من قرابة أو من غيرها.
على الأطباء منع زواجِ من يحملان مرضًا وراثيًّا يُتوقع ظهوره في الطفل
فالذي على الأطباء إذًا هو منع زواجِ من يحملان مرضًا وراثيًّا يُتوقع ظهوره في الطفل، فالحيطة والحذر في زواج مشرقيّ بمغربيّة كالحذر في اثنين من قبيلة أو عشيرة واحدة، فقد يُصابان بالمرض نفسه فيُمنيان بالنتيجة السيئة نفسها؛ فمن الإفراط إذًا منعُ زواج غير المحرم نكاحهم من الأقارب مطلقًا، ومن قال بذلك مفترضًا أمرًا ما فإن تطور العلم سيُخالف ظنَّه.
والمؤسف أن من العلماء المتدينين أيضًا من تناول المسألة على عجل كما يفعل الفرَضيّون، ولم يُعنَ ألبتة بمناط الحكم الطبي، فقال: “حَرّم القرآن الكريم زواج الأقارب مطلقًا”، فناقض القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (سُورَةُ الأَحْزَابِ: 33/50).
ليس الضرر في زواج الأقارب بل في أمراض الأبوين الوراثية التي تزداد مع زواج الأقارب وتظهر في الذرية.
والتشريع العملي يثبت أن نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم لم يتحرجوا من زواج الأقارب غير اللائي حُرِّم نكاحهن في آية المحرمات، فتزوج صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ابنة عمته، وزوَّج ابنته الكريمة السيدة فاطمة من سيدنا علي رضي الله عنهما وهي من بنات عمومته.. وأمثلته كثيرة.
وماذا في الزواج بين أبناء عشيرة سليمة البنية؟ فلعل هذا يحافظ على بنيتها المادّية والشخصية والروحية والصحية، ويُقال هذا هو سر سلامة الأجيال في داغستان حتى اليوم، هذا جعلهم بفضل الله وعنايته وقدَرِه أصحّ وأنشط وأطول عمرًا.
لم يحض الإسلامُ على زواج الأقارب وإن أجازه في غير مَن يحرم نكاحُهم، أما الأقارب الذين يحرُم نكاحُهم فيشكّلون كَمًّا لا يُستهان به.
فمن يودّ أن يكون معافًى قويًّا نشيطًا في نسله وسلالته، فلا ريب أنه سيتخير أكثر العائلات صحة وسلامة، فإن كانت قبيلته كذلك فلم لا يتزوج منها؟
والخلاصة أن الخطر في الزاوج يكمن في أمراض قد يُصاب بها النسل سواء كان الزواج من الأقارب أو الأباعد، وأرى أن هذا هو ما ينبغي عدّه مناطًا للحكم، وإلا لقال قائل: كيف يُعالج القرآن الكريم حقير الأمور، ولا يعبأ بعظيمها؟! فهذا نقيض مقاصد القرآن الكريم كتابِ التوازن، فهو لم يُغفل ذكر أقلِّ شيء ينفع وأقلِّ شيء يضرّ ولو نقطة خمر حرّمها.
وقد عدّ القرآن الكريم المحرمات من النساء بجلاء، عدًّا لا لبس فيه، فقال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (سُورَةُ النِّسَاءِ: 4/23)؛ وقال في آية أخرى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (سُورَةُ الأَحْزَابِ: 33/50).
الأمراض الوراثية: هي أمراض تنتقل من جيل إلى آخر وراثيًّا، وأكثر ما تظهر لدى أبناء أزواج بينهم قرابة قريبة.
وتشريع الزواج بضوابطه الصحية لا يقتضي إكراه الناس على الزواج، فللإنسان الزواج بغير المحرَّمات، إذ لا مانع، ولكن إن أثبت الكشف الطبيّ أن لهذا الزواج أضرارًا صحية، فهذا يقتضي منع الزواج، بل إن المنع آنذاك مصلحة وأمرٌ إنساني.
والله أعلم بالصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فتح الله كولن، نحو عقيدة صحيحة، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2014م، صـ135، 136، 137، 138.
ملحوظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.