تحرّك الرسول ﷺ إلى حنين بجيشٍ قوامه اثنا عشر ألفًا، من بينهم ألفان معظمهم من الشباب حديثي العهد بالإسلام، فراودت هؤلاء الشباب فكرة: “لن نُغلَبَ اليوم من قلة، وكما فتحنا مكة أمس بإذن الله، فسنسحق أيضًا هوازن وثقيف”.
يجب أن ننظر إلى أخطاء الصحابة من قبيل: “حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ”، فإذا كان الإنسان يجازى على أعماله بعد أن يهمّ بها فهؤلاء الفضلاء قد يجازَون على أعمالهم بمجرد أن تَرِدَ على خاطرهم.
تزكية الصحابة
وفي هذا الصدد أنوّه على الفور بأنني أعيش دائمًا حالة روحية تُلْزِمُني تزكيةَ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والإعراضَ عن النيل منهم ومنعَ أيِّ شخص من فعل ذلك، ورؤيتَهم على أنهم من المصطفين الأخيار عند الله تعالى؛ لدرجة أنني أحذِّر من استخدام أيِّ قولٍ وإن كان بسيطًا يَشِي بالنيل منهم، ولكن ربما لم يستطع بعض الصحابة في هذه الواقعة أن يكون على المستوى الذي يتناسب مع منزلتهم ومكانتهم والذي ارتضاه الله تعالى لهم، فأراد الله تعالى أن يوجههم إلى ما تتطلبه منزلة المقربين، ولكن هذه مسألة بينهم وبين الله تعالى، لا نستطيع أن نتجاوز فيها، وإلا نكون قد تخطينا حدودَنا وأسأنا أدبَنا.
الحالة الروحية في حنين
بعد أخذِ هذه الملاحظة بعين الاعتبار لنحاول أن نفهم عن قربٍ الحالةَ الروحية التي كان عليها سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم عند توجّههم إلى غزوة حنين.
إنني أعيش دائمًا حالة روحية تُلْزِمُني تزكيةَ الصحابة الكرام والإعراضَ عن النيل منهم ومنعَ أيِّ شخص من فعل ذلك، ورؤيتَهم على أنهم من المصطفين الأخيار عند الله تعالى.
بدايةً كان الجيش الإسلامي المتجه إلى حنين هو أكبر جيش يواجِه به المسلمون عدوّهم، فرغم أن الظروف لم تكن في صالحهم في حروب عديدة انعدم فيها توازن القوى إلا أنهم كانوا يتغلبون بفضل الله وعنايته على عدوّهم وينتقلون من نصرٍ إلى آخر، والآن ينطلقون وهم مفعمون بالأمل لكسرِ شوكة عدوهم، -أرواحنا فداء لهؤلاء الصحابة العظام! وندعو الله تبارك وتعالى أن نكون قائمين دائمين على طريقهم!- وفي قول الله تعالى “لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ” تذكير لهؤلاء الصحابة بأنهم كانوا مظهرًا لنصر الله تعالى في مواطن كثيرة مثل بدر وفتح مكة، وهنا ومن قبيل براعة الاستهلال نجد أن الحق سبحانه وتعالى يذكّرهم بظفرهم بالتوجه الإلهي إليهم أيضًا يوم حنين، وبالحالة الروحية التي كانت تقتضي توافقًا مع أفق المقربين.
كيف ننظر إلى أخطاء سادتنا الصحابة؟
ولكن أنوه مرة أخرى إلى أنه يجب أن ننظر إلى أخطائهم تلك من قبيل: “حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ”، فإذا كان الإنسان يجازى على أعماله بعد أن يهمّ بها فهؤلاء الفضلاء قد يجازَون على أعمالهم بمجرد أن تَرِدَ على خاطرهم.
راودت الشباب في حنين فكرة: “لن نُغلَبَ اليوم من قلة، وكما فتحنا مكة أمس بإذن الله، فسنسحق أيضًا هوازن وثقيف.
ثم يقول الحق تعالى: “وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ”، وقد استعمل القرآن الكريم المقولة نفسها في آية أخرى عند حديثه عن كعب بن مالك وصاحبَيه الذِين تخلّفوا عن غزوة تبوك، وهذه المقولة يستخدمها الإنسان عندما لا يجد في بلدةٍ ما لا يأمله ويرجوه، وهذا ما وقع بالفعل للصحابة الكرام رضوان الله عليهم في ذلك اليوم، فلقد تعرّضوا لهزّة مؤقّتة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. وأخيرًا يشيرُ الحقُّ سبحانه وتعالى إلى النقطةِ التي آل إليها الأمرُ فيما بعدُ قائلًا: “ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ”.
ولكن رغم كل هذا أنزل اللهُ سكينته على رسوله وصحابته كما جاء في الآية التالية، وبناءً على ذلك شعروا بالندم في قلوبهم، فتهيؤوا واستجمعوا قواهم من جديد حتى كان النصر حليفهم بفضلٍ من الله وعنايته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فتح الله كولن، جهود التجديد، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2017م، صـ324/325/ 326.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.