لقد منّ الله علينا بنعم وعطايا لا تحصى. لقد جعل الله أصواتكم وأنفاسكم تتردد في كل أنحاء العالم في وقت قصير جدا، رغم مئات العقبات وآلاف التحديات. لقد جعل أصواتكم وأنفاسكم، بل صوت الحبيب المصطفى وأنفاسه فيكم، أنفاسا تبعث الحياة في جميع بقاع الأرض. هذه نعمة كبرى. وذكر النعمة بُعد من أبعاد شكرها. علينا أن نذكرها دائما، ولا ننكرها حتى يضاعفها الله لنا. إنه يضاعف فعلا، أضرعُ إلى الله ألا يصطدم إنعامه بإنكار منا. إذا استقمنا على الوفاء مع الله، وواظبنا على الجدية في العمل، فلن يقطع الله عطاءه، بل سيبقيه يهطل علينا دون انقطاع.
إن أحد أبعاد شكر نعم الله، ذكرُ المنعم في كل مكان وفي كل فرصة، ذلك شكرٌ من موقع النعمة، وذكرٌ في الوقت نفسه، لأنه شكر يذكّرنا بالله، شكر يُشعرِنا بنعمه المنهمرة علينا من قمة رؤوسنا حتى أخمص أقدامنا فنُقبِل على الله بقلوب تفيض بالمنّة له.
هذه النعمة العظيمة تتطلب أنواعا أخرى من الشكر. كل نعمة تقتضي شكرا من جنسها. لقد منّ الله عليكم وعلى أجيالكم بالهداية، عليكم أن تشكروا هذه النعمة بالأخذ بيد الآخرين من أجل هدايتهم. لقد تحقق هذا الخير وتلك الخدمات بتوفيق محض من الله، هذا الخير يتجاوز إرادتنا وعقولنا وتخطيطنا. نسأل الله أن يشملنا بهذا النوع من التوفيق دائما.
لم يكن في خطتنا أن تُفتَح مدارس، ومبيتات للطلبة وداخليات، ومعاهد للتحضير الجامعي بهذا العدد والحجم، لم يكن في حسابنا أن يتضاعف عددها بصورة تراكمية. كان تقديرا من الله. لا أعتقد أن التوسع “استدراج” في حق المجموعة -إن شاء الله-، أعتقد أنه محض عطاء من الله. بعد ذلك تجاوز هذا الخير حدود تركيا ووصل إلى كل بقاع العالم.
يتحدث الناس في أنحاء العالم عنكم، يثنون على جهودكم. أنا واثق من أن حديث الثناء هذا لا يبعث العُجبَ في نفوسكم، لأن حديث الثناء يستهوي قلوب أسرى الأنانية فقط. الناس يثنون على أعمالكم. يتطلعون إلى معرفة الأبطال الذين يقفون وراء هذه الخدمات الجليلة. سوف تذكركم الأجيال اللاحقة كذلك، وسوف يبقى هذا الخير لا يصيبه أي سوء ما بقيت الأجيال على العهد مع الله. أجل، إنه لم يبق إلا مناطق قليلة في العالم. لقد حمل إخوانكم لواء هذه الخدمة اليوم، كما حمله آباؤكم من قبل، وساداتنا الصحب الكرام والتابعون العظام من قبلهم. العالم في شغف للتعرف على حاملي هذا اللواء والقوة الكامنة وراءه. ولكن لا داعي للفضول الزائد: القوة الكامنة وراء هذا الخير هو الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قوة الله هي التي تستعملنا في خدمة الإنسانية، ألف ألف حمد وألف ألف ثناء لصاحب تلك القوة، نفديه بأرواحنا.