Reader Mode

تطل علينا مجلة حراء في عددها 71 بإشراقة جديدة، تسلط من خلالها الضوء على موضوعات فكرية شائكة، وقضايا علمية مفيدة، ومعالجات لمشاكل تربوية تخص الطفل والأسرة والمدرسة، مع إلقاء الضوء على تاريخنا ومساهمته الحضارية والفنية والمعمارية.

ففي المقال الرئيس “مأزق الجهالة” للأستاذ فتح الله كولن يصف الحال ويعالج المآل، ويتساءل عن داء الجهالة، وأنه أكثر ما لا يعرف الشفاء وينخر بنية الأمة ويقضم كيانها من بين العديد من الأمراض.

عرَّف الأستاذ كولن الجهالة بأنها:  أن لا يعلم الإنسان شيئًا، وإذا علم شيئًا فهو لا يستطيع استثماره، وأن يكون نابيًا عن الحق محرومًا من فكرة الحق.

كما حذَّر الأستاذ كولن من استمرار الأزمات المحدقة بمجتمعنا، ومن دوام الأمراض التي أصبحت حلقة مفرغة فاسدة مالم يتم تجفيف هذا المنبع المشؤوم الذي يأتي لنا بالبؤس، وما لم يتم تنوير الجماهير وإرشادُ الأجيال إلى فكر الأمة والوعي بالتاريخ، وما لم يتم الحيلولة دون كل التيارات السلبية التي لا تتواءم مع “الجذور الروحية” لهذه الأمة.

تحدث الأستاذ كولن في مقاله أيضًا عن نوع آخر من الجهالة، وهو يتمثَّل في أولئك الذين دارت رؤوسهم وزاغت أبصارهم تجاه علوم معاصرينا وتكنولوجياتهم، وبدلاً من أن يبادروا لإنقاذ البلاد فيعمِّروا القلوبَ بالإيمان والعقولَ بالعلم والحكمة وكلَّ أصقاع الوطن بالفنون والتجارة، ظنوا أنهم سيرتقون إلى مستوى “الحضارة المعاصرة” من خلال الدوس على أفكار أمتنا، وإزالةِ سجايا ملتنا، والتنصلِ كلّيًّا من الفضيلة والأخلاق، وبذلك سدّدوا ضرباتٍ قاضية إلى روح الأمة، فأصبح هذا النوع الثاني من الجهالة أكثر تدميرًا وخطورةً بالنسبة لبلادنا وإنساننا.

دعا الأستاذ كولن في مقاله أيضًا المرشدين والمربين الذين أخذوا على عاتقهم الإعداد للمستقبل إلى إعلان الحرب على كلا النوعين من الجهالة بل عليهم، وأن يستخدموا كل الوسائل المشروعة في هذا السبيل، وأن لا يتوانوا لحظة واحدة عن بذل الجهود من أجل إخراج إنساننا من الظلمات إلى النور..

نوَّه الأستاذ كولن على دور المعلمين وأنهم هم الذين سيكونون روّادَ هذه المهمة المباركة، وأن صفات هؤلاء المعلمين أنهم وصلوا إلى مستوى يتناولون فيه الإنسان على أنه كلٌّ متكامل من الروح والبدن، ويأخذون بعين الاعتبار موقعه في الكون وعلاقته به، ويُثيرون في الأرواح حماسَ التوجه نحو تحقيق الغاية من الخلق، ويَعتبرون الغيب والشهادة على أنهما وجهان لعملة واحدة.

كما أكَّد أن المعلم الحقيقي في اعتقادنا، هو الشخص المحظوظ الذي يتناول هذا الإنسان الذي أرسِل إلى الدنيا بمَلَكَات تؤهِّله لأن يصبح كل شيء، فيُعلِّمُه ما هو الصحيح، ويبعثُه على التفكير الصحيح، ويبث في قلبه الشوق نحو المعالي، ويجعل روحه محلِّقةً في الأعالي، ويزيح عن طريقه كل أنواع الظلمات والثقوب السوداء، ويوصله إلى منافذ النور والضياء.

في نهاية المقال حرص الأستاذ كولن أن يَبُثَّ الأمل في قلوب العديدين مؤكدًا أنه يحين الأوان، سيتحول الحجر والتراب في يدَيْ بطل الحقيقة المبارك هذا إلى ذهب خالص، وتكتسب الأشياء التي تبدو تافهة، قيمةً ورواجًا، وتَبْلغُ أحلكُ الأرواح إلى فجر مشرق، وإذا بِعَبيد النفوس الذين لا يريدون انعتاقًا عن رقهم ولا انفكاكًا عن أغلالهم، يتكاملون مع أرواحهم ويصبح كل منهم سلطانًا.