لم يعرف الغرب –لا في الماضي ولا في الحاضر-القيم الإلهية، لذا قام باحتلال البلدان ووضع يده على ثروات تلك البلدان ما ظهر منها وما بطن، واستعبد أهاليها وسكانها وشكَّل المستعمرات. حارب في هذا السبيل، وأراق الدماء في سبيل هذه الغاية. لقد كان هذا هو الهدف الحقيقي لحروب البلقان وللحرب العالمية الأولى والثانية ولحرب واحتلال بلدان الخليج والصومال.
إن اشتبكت طائفتان من المؤمنين وتعرضت الأمة لخطر الانشقاق والتمزق، وجب محاسبة المقاتلين حتى وإن كانوا مؤمنين.
أما الحرب في الإسلام فتكون من أجل غاية سامية ومن أجل حرية الفكر والاعتقاد ومن أجل فتح الطرق المؤدية إلى القيم الإنسانية. مع ذلك فيجب ألا يهمل الاتجاه نحو السلم كلما استوجب الأمر ذلك، لأن السلم هو الأساس وهو الأصل، أما الحرب فأمر استثنائي.” وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (الأنفال:61) و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ” (البقرة: 208).
الإصلاح بين المتقاتلين
هذه الآيات وأمثالها تدعو المسلمين إلى السلم وإلى الصلح، فإن كانوا في الحرب فهي تدعوهم إلى الاعتدال وإلى الاستقامة. أما النظم الأخرى فالحرب عندها ميدان وحشية، بل فهي ليست سوى نظم لتضليل البشرية، ونظم شيطانية همها إشعال الفتن والاضطرابات. فالشيطان يزين هذه النظم ويجعلها في صور براقة لخداع أنصارها، ذلك لأنه عدو مبين للإنسان، لذا فسيحاول إبعادك عن ذاتك وعن نظرتك لتاريخك ولفلسفة هذا التاريخ ومعناه.
أجل، يجب أن يكون السلم والصلح نصب عين المؤمن حتى وهو يقاتل. وقد يقاتل المؤمن المؤمن، وهنا أيضا لا بد من الصلح: “وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الحجرات: 9).
الحرب في الإسلام تكون من أجل غاية سامية وحرية الفكر والاعتقاد وفتح الطرق المؤدية إلى القيم الإنسانية.
فإن اشتبكت طائفتان من المؤمنين وتعرض الوطن وتعرضت الأمة إلى خطر الانشقاق والتمزق، وبدأ الاضطراب الداخلي ينتشر في البلد.. في هذه الحالة يجب محاسبة المقاتلين حتى وإن كانوا مؤمنين، وبذل كل الجهود لتأمين وحدة الإسلام والمسلمين ووحدة الوطن والأمة. هذا هو ما يريده القرآن، ولكن أين نحن من هذا؟ إن ماضينا القريب ليس مما يشرح الصدور ..يُقال “إن اليأس يمنع كل كمال” والذي يقع في اليأس لا يستطيع أن ينتصب واقفًا على قدميه، وهو مستنقع يغرق من يقه فيه. ولكن من الصعب أن يكون الإنسان متفائلاً مع وجود كل أسباب الفرقة هذه.
يجب أن يكون السلم والصلح نصب عين المؤمن حتى وهو يقاتل.
أجل، إن المؤمنين هم شهداء الله في الأرض، وعنصر توازن بين الأمم، وضمان للتناسق العام، لذا فلهم حق التدخل في كل شيء ولدى الجميع في سبيل تأمين الحق والعدالة. فإن اضطربت الأمور في بلدنا أو في بلد آخر إلى درجة استدعت التدخل وكنا نملك القدرة على التدخل فإن من واجبنا التدخل لتأمين الهدوء والاستقرار. فإن تقرر التدخل وتقررت الحرب تم التوكل على الله والسير في الطريق الذي نعرف أنه الطريق الحق.
متى يكون القتال مشروعًا؟
أجل، إن كانت الملابسات والظروف تشدك نحو الجهاد المادي، أي إن حيل بينك وبين حريتك في نشر دينك، أو إن لم يكن هناك من يوقف الظلم الواقع على المظلومين وعلى المغدورين، ولم يكن هناك من يُنهي أنينهم وشكاواهم، أو لو كان هناك من يستعمل القوة لمنعك من نشر الحق، أو لو اعتدوا على حرمة وطنك وهددوا حياتك.. عند ذلك آن لك أن تبرز لميدان القتال وأن تشمر عن ساعديك للقتال وللجهاد.
المصدر: محمد فتح الله كولن، النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ8، صـ399/ 400.