إن عصمة الأنبياء شرطٌ لا ينفكُّ عن الأنبياء، وصفة من صفات النبوة، وكل نبيٍّ يأتي إلى الدنيا وهو متزيّنٌ بهذه الصفة، إذن، فمن لم تكن فيه هذه الصفة فلا يكون نبيًّا.
قبل إثبات عصمة الأنبياء سنعطي بعض الأمثلة عن التوراة والإنجيل وهي الكتب المُحرَّفة التي أسندت الكثير من التُّهم إليهم، ثم ننتقل إلى تحليل الموضوع حسب الدستور القرآني، ونُعطي الأجوبة اللازمة للمفتري، غير أننا نريد هنا الإشارة إلى أمر أو أمرين.
لكون الكتب السابقة أمثال التوراة والإنجيل والزبور قد تعرضت للتحريف ودخل الكلام البشري بين نصوصها فلا يمكن البحث عن الحقيقة فيها، ولا المحافظة على سلامة الاتجاه الفكري فيها. لذا، فإن إسناد مناظر مؤذية لا تليق حتى بالإنسان العادي إلى الأنبياء ليس إلا نتيجة هذا التحريف، وهو بحدّ ذاته أحد الأدلة على تعرض هذه الكتب للتحريف، ولو لم يكن هناك إلا هذا الدليل لكفى به إثباتًا لهذا التحريف.
لم يعط الله تعالى ضمانًا لحفظ هذه الكتب، بينما قال في حق القرآن الكريم: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر: 9)، أي أشار إلى أن القرآن مرجع إلهي وأنه محفوظ من قبله، لذا فهناك إجماع على أن أحكام القرآن سارية إلى يوم القيامة، ذلك لأنه تحت الحفظ الإلهي، إذن، فهو المرجع الوحيد لمعرفة شؤون الأنبياء، وكل ما ورد في تلك الكتب المحرفة من أمور تخص الأنبياء وتخالف ما جاء في القرآن فلا حكم له، لأن الأحاسيس والمشاعر البشرية دخلتها واختلطت بها، بينما لا يحق لأي إنسان التحدث في موضوع النبوة ولا في موضوع العصمة، فالأنبياء وحدهم لهم الحق في تناول هذه المسائل الغيبية العائدة إلى الماضي، وذلك لاستنادهم إلى الوحي الإلهي. وبما أن رسولنا هو خاتم الأنبياء والمرسلين فلا يحق لأحد بعده التحدث في هذا الأمر، وقد تحدث في كل أمر ذي بال، وكان عيسى عليه السلام قد ترك له حق التحدث هذا عندما قال: “لن أُكلِّمَكم كثيرًا بعد، فإن سيد هذا العالم قادم عليّ”(يوحنا-الباب: 14، الآية: 31).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فتح الله كولن، النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ8، 2013م، صـ522/ 523.