Reader Mode

لا نملك أنفسنا من إيراد هذا الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لَيُمْلي للظالم حتى إذا أَخَذَه لم يُفْلِتْه” ثم قرأ: “وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ” (هود: 102)([1]).

إن الله يمهل الظالم المرة تلو الأخرى، أي يقابل الظالم والذي أعلن عصيانه له بالإمهال، ولكن إن أخذه أخيرًا لم يُفلته. وهذا معناه أن الظالم تجاوز حده وأن الكأس قد فاض فلم يعد هناك مجال للمهلة.

لله تعالى قوانين جارية في الكون لا تبديل لها “لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ” (الروم: 30). ومن هذه القوانين كون الظالم سيفًا بيد الله، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص: “الظالم عَدْلُ الله في الأرض يَنْتقم به ثم يُنتقَم منه”([2])، الظالم هو سيف الله يؤدب به الله من تجاوز حده، ثم يأخذ الظالم أخذًا وبيلاً.. الظالمون اليوم سادرون في غيهم، ولكن إياك أن تيأس وأنت تشاهد هذه الأوضاع فكم من قرى أمهلها الله تعالى وكان يقول لها “كلي واشربي وتمتعي” ثم أخذها أخذ عزيز مقتدر([3]).

الظالم هو سيف الله يؤدب به الله من تجاوز حده، ثم يأخذ الظالم أخذًا وبيلاً

انظروا حواليكم بتمعن ستجدون أمثلة حية على ما نقول” سَدوم” و”عامورة” و”بومبيي” ليست إلا أمثلة ثلاثة فقط… من يدري كم من أمثلة أخرى موجودة لا نعرفها، أو كانت أقل عبرة من هذه الأمثلة فتم نسيانها.. ولكن كل هذه الأمثلة شاهدة على هذا القانون الإلهي. ولماذا نذهب بعيدًا..؟ ألم تكن فوق هذه الأراضي التي نعيش عليها دولة عليَّة عثمانية. هذه الدولة التي لم يكن يخطر على بال أحد إمكانية زوالها، ولكنها عندما سقطت أصبحت إحدى ذكريات التاريخ التي نتذكرها بقلوب مفجوعة. واليوم تكافح فئة قليلة حصرت داخل حدود ضيقة من أجل البقاء أمام التيارات الداخلية والخارجية التي تستكثر عليها حتى حق الحياة في هذه المساحة الصغيرة. والقانون الإلهي الذي لا يتغير هو “وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ..” (هود:102)

ويستطيع المؤرخون الحقيقيون وعلماء الاجتماع أن يستفيدوا من هذا القانون الإلهي الذي لا يتغير، ومن الأمثلة التي تحفل بها مقابر التاريخ، يستطيعون الاستفادة وأن يخلدو أنفسهم عصورًا عدة. ونحن نترك تفسير هذا الحديث لهم لننتقل إلى حديث آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1] ) البخاري، تفسير سورة هود(11)5؛ مسلم، البر، 61.

([2] ) كشف الخفاء، العجلوني، 2/ 49.

([3] ) تشير الآية إلى هذا الأمر: “وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ” (الحج: 48).

المصدر: فتح الله كولن، النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ8، 2013، صـ232/ 233.

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts