روي عن زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما في بعض نصائحه: “وأما حق ولدك: فتعلم أنه منك، ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعْذَر إلى ربه فيما بينه وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه، ولا قوة إلا بالله”.
ولما أحسّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنوّ أجله قال للصحابة رضوان الله عليهم يومًا: “إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ الله بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ”، فبكى أبو بكر وقال: “فديناك بآبائنا وأمهاتنا”[1]، أجل، لم يتوان الصديق رضي الله عنه في إدراك أن العبد هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لو سُئلنا عن أولادنا الذين تكفلنا بمسؤوليتهم ورعايتهم، فهل نتوقع منهم جوابا أن قد أدّيتم؟
وفي حجة الوداع سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ رضوان الله عليهم قائلًا: “أَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟”، لقد قام عليه الصلاة والسلام بمهمّة جليلةٍ، ومع ذلك فلقد كان يساوره القلق هل أدّاها بحقّها أم لا؛ بيد أن تلك المهمة كانت تصرخ وتقول: لا داعي لمثل هذا القلق يا رسول الله.
وعندئذٍ صاحت كلّ القلوب المؤمنة معترفةً بفضله؛ حتى تردّدت أصداؤها في كلّ جنبات ذلك الوادي الفسيح قائلةً: “نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ، ثُمَّ قَالَ: بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا إِلَى النَّاسِ: “اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ”[2].
حقًّا، بهذا القلق البالغ تحدّث النبيّ صلى الله عليه وسلم عن تلك المهمّة التي تسع دائرة الأمّة كلّها، وأشهدَ أصحابَه رضوان الله عليهم على ذلك، فيا ترى لو سُئلنا نحن أيضًا عن أولادنا الذين تكفلنا بمسؤوليتهم ورعايتهم، فهل نحن في وضعٍ يسمح بأن يُقال لنا: ستُسألون عنا، فبِمَ ستجيبون؟ أو هل نتوقع منهم جوابا أن قد أدّيتم؟ وإلا فالويل لنا، من أجل ذلك يقول زين العابدين رضي الله عنه: “إنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب”؛ لأن الأهمّ بالنسبة للإنسان هو الارتقاء بأفراد أسرته إلى أعلى مراتب الكمالات الإنسانية، وإشعارهم بمتعة الوجود الأبدي في الآخرة.
إن أعظم هدية لا بدّ أن نقدّمها لأبنائنا هي تلقينهم الآداب الإسلامية والآداب المحمديّة.
أحيانًا نشتري لأولادنا الهدايا في محاولةٍ لإدخال السرور عليهم، بل إننا نفتقدهم حتى عند زيارة بيت الله الحرام أو مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الأعمال المباركة والخدمات الجليلة لا تمنعنا من تذكّرهم، غير أن أعظم هدية لا بدّ أن نقدّمها لأبنائنا هي تلقينهم الآداب الإسلامية والآداب المحمديّة، فلا شيءَ يُعادل مثل هذه الهدية التي تكون سببًا في سعادتهم الأبدية في الآخرة.
يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ”[3].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري، المناقب، 45؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة، 2.
[2] صحيح مسلم، الحج، 147؛ سنن أبي داود، المناسك، 56.
[3] سنن ابن ماجه، الأدب، 3؛ القضاعي: مسند الشهاب، 1/389.
المصدر: من البذرة إلى الثمرة، دار النيل للطباعة والنشر 2015 ص 69/71
ملحوظة: بعض العناوين وبعض العبارات من تصرف المحرر.