إن اندمال الجرح وندوبِه ثم تساقطَ هذه الندوب، وقيامَ الجسم بترميم نفسه، دليل على الحيوية في ذلك العضو المجروح. إن الفاكهة تشير إلى الشجرة الحاملة لها، والآثار على الطريق تشير إلى العابر منها، وتسرّبُ الماء من مكان ما يشير إلى وجود مجاري مياه هناك. وكذلك من ينظر إلى جسم الإنسان يلمح آثارًا، وتسرّبات، وترميمات يستحيل معها أن لا يُقرّ بوجود الآخرة.
كيف خطرت فكرة الخلود ببال هذا الإنسان المحصور في قوالب محدودة؟ لا يمكن ادعاء أنه وصل إلى هذه الفكرة من تلقاء نفسه. كما لا يوجد على الأرض مخلوق يمكن أن يُلهم الإنسان هذه الفكرة، إذن إحساسه هذا ما هو إلا رسائل أُرسِلت إليه من عالم آخر، فكما أن تَسرُّب الماء دليل قطعي على مجاري المياه، فكذلك تسربات الخلود دليل قطعي على العالم الأبدي.
إن كل كائن في الوجود يشير إلى خالقه من ناحية، ويشير إلى امتداده في العالم الآخر من ناحية أخرى.
الإنسان يجني ثمارًا روحية لا يمكنه حيازتها في عالم المادة من خلال ملكاته اللدنية ولطائفه المغروسة في عالمه الداخلي. إن الإنسان لينطلق أحيانًا، ويُعرِض عن الدنيا بما فيها من زخارف ويسمو عليها محرزًا مكانة عُليا. فهذه الحالة السامقة تدل دلالة قطعية على أن هذا الإنسان له علاقة وثيقة بموجودٍ غيرِ مقيَّد بعالم “الإمكان” هذا، أي وجودُه ليس ممكنًا بل “واجبٌ”.
هذه الدنيا المحدودة التي ستُهدَم يومًا ما، ولن يعاد ترميمها مرة أخرى، تشير إلى دار لن تُهدَم أبدًا. إن كل كائن في هذا الوجود يشير إلى خالقه من ناحية، ويشير إلى امتداده في العالم الآخر من ناحية أخرى.
المصدر: فتح الله كولن، ترجمة نور الدين صواش، نفخة البعث شواهد الحياة بعد الموت، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، ٢٠١٥، ص: ٨٣-٨٤.
ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.