ظاهرة مشتركة
الإرهاب ظاهرة تهدد العالم كله، لذا ينبغي النظر إلى الأسباب التي تؤدي إليه. فالعوامل التي تغذي الإرهاب أو تؤدي إليه لا ينبغي حصرها في بيئة أو منطقة معينة، فمهما كان حجم العمليات الإرهابية في منطقة ما قليلا أو كثيرا، فإن هناك عوامل متعددة تعزز هذا التطرف، وتدفع إلى هذه العمليات الإرهابية، سواء من داخل هذه البيئات أو من خارجها.
إن مشكلة التطرف لها أبعاد وجوانب متعددة، وهي في الحقيقة مشكلة معقدة، وهذا التعقيد يفرض على الجميع المشاركة في حلها؛ إذ ليس لأحد أن يدعي أنه بمنأى عنها، فقد شاهدنا مؤخرا دولا ومناطق تتعرض للإرهاب، في حين أنها كانت تظن أنها بعيدة عنه.
ويحضرني في هذا السياق ما اقترحه الأستاذ النورسي في معرض خطبته التي خطبها في الجامع الأموي بالشام عام 1911، إذ لا تزال هذه المقترحات التي قدمها غضة طرية لم تفقد طراوتها بعد.
الجهل بيئة خصبة للإرهاب، والفقر حالة مثالية لتجنيد العناصر الإرهابية، كما أن روح التفرقة تسهم في زيادة وتيرة العمليات الإرهابية.
أرضية الإرهاب
فالجهل يمثل بيئة خصبة يترعرع فيها الإرهاب، والفقر يمثل حالة مثالية لاجتذاب العناصر الإرهابية وتجنيدها، كما أن بث روح التفرقة بين أفراد المجتمع يسهم في زيادة وتيرة تلك العمليات الإرهابية. لذلك فالقضاء على هذه المشكلات الثلاثة حسبما أوضح الأستاذ النورسي هو الحل الأمثل لتجفيف منابع الإرهاب، والعمل على اجتثاثه من جذوره. وإلا فكل المحاولات التي تهدف إلى الحل من دون القضاء على الجهل، وتقديم الحلول الناجعة للبطالة، وإنهاء السياسات التي تقسم المجتمع وتفرق بين أفراده ستبوء بالفشل.
إن التربية والتعليم هما المفتاح السحري لحل هذا الموضوع من جذوره. فتربية الأجيال على احترام إنسانية كل إنسان، وتنشئتها على قيم التسامح والمحبة ونبذ الفتن والخصومات، وتعزيز الأمل في نفوسها حول مستقبلها، كل هذا سيمنعها من أن تقع فريسة سهلة للأفكار الراديكالية.
جهود متضافرة
وينبغي الاهتمام بهذا الموضوع من سن مبكرة، بداية من سن الروضة مثلا، ويجب ألا ينحصر في المؤسسسات التربوية فحسب، بل يجب تضافر كل الجهود للاستفادة من كل الوسائل والإمكانات العصرية المتوفرة، كوسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وعالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها. كما ينبغي توظيف الأعمال الدرامية من أفلام ومسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة وغيرها من الوسائل الممكنة لتغذية اللاوعي في سن مبكرة.. وفي المقابل ينبغي التصدي لكل من يعمل على ترويج الأفكار الإرهابية، وتصويرها في صورة محببة إلى النفوس، وعدم منحه الفرصة لتدمير ما بنيناه.
إن التربية والتعليم هما المفتاح السحري لحل هذا الموضوع من جذوره.
نفس طويل
عليَّ أن أعترف بأن آفاقنا الفكرية في العالَم الإسلامي ضيقةٌ جدا، لدرجة أننا عاجزون عن رؤية ما بين أيدينا، فضلا عن الرؤية بعيدة المدى؛ لذلك تنحصر أفكارنا في حدود يومنا الذي نعيشه، ولا نحاول أن نتعب دماغنا في سبيل إيجاد وسائل تساعد على حل مشاكلنا المتراكمة، بينما مشاكلنا اليومية متواصلة بلا انقطاع. الحقيقة أن هذه المشاكل لم تظهر بين ليلة وضحاها، حتى يمكن حلها مرة واحدة. فالإرهاب شأنه شأن كثير من المشاكل يتطلب نفسا طويلا وصبرا.. والرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي الإلهي بذل جهودا على مدار 21 عاما لحل المشاكل في مكة المكرمة، وفي النهاية استطاع حلها جميعا، وهذا يعني أن المشاكل يمكن حلها.. فالمنهج النبوي يعلمنا أنه ليس هناك مشكلة مستعصية على الحل.
ويبدو أن هذه المشكلة أيضا هي من نوعية المشاكل التي لا يمكن حلها إلا بنفس طويل وبذل مشترك للجهود. فبالأمس كان فكر الخوارج يُقَطِّع الصحابة إربا إربا، وها هو اليوم يعود إلى الحياة في هيئة جديدة ممثلا مشكلة أكبر من السابق.. فضلا عن أنه لا يتلقى الدعم من الخارج فحسب، بل يتقوى بدعم من داخل العالَم الإسلامي أيضا.. ومن البديهي أنه إذا لم يتم تشخيص المرض تشخيصا جيدا فلن يجدي التداوي والعلاج. وبرغم كل شيء لا ينبغي الوقوع فريسة في براثن اليأس أو الاستسلام له.. فلا شك أن ما أمكن حله بالأمس يمكن أن يحل اليوم أيضا، شريطة أن يكون المنهاج الذي نسلكه هو المنهاج النبوي.