إن مادة السليلوز مع مادة “اللِيغْنِين”[1] في الأشجار، تشكلان المكوِّن الأساسي لأجسامها الغليظة، والسليلوز يحظى بمكانة متميزة في صناعة الورَق إلى جانب استخدامه في مواد صناعية عديدة، فهو الذي يمنح الأشجار قدرة على الانحناء -انحناءة الركوع بين يدي الخالق- دون أن تنكسر بفضل خاصية المرونة التي يتمتع بها.
كما أن السليلوز لا يذوب ولا يُهضم بسهولة، وإن تناول إنسان طعامًا يحتوي على مواد سليلوزية، لا تستطيع معدته إذابتها وهضمها، لكن الحيوانات المجترّة، لدى أمعائها القدرة على تحليل مادة السليلوز وإذابتها عن طريق أنزيمات تفرزها، وهكذا يتحول السليلوز في جسم الحيوانات إلى مادة مفيدة ننتفع بها نحن البشر أيضًا، إذ إننا نستفيد من بِراز تلك الحيوانات سمادًا للأراضي والحقول، وبذلك نرى أن الحيوانات جميعها، بمثابة مصانع تعمل على تحويل السليلوز إلى مواد نافعة ومفيدة.
ومن جهة أخرى ليس بإمكان الحيوانات أن تأكل كل هذه المواد السليلوزية، إذ يسقط قسم منها على الأرض، فتقوم البكتيريا الموجودة على الأرض بعملية خارقة للعادة لتحوّل هذه المواد إلى جزيئات صغيرة، ونتيجة ذلك تستفيد تربة الأرض من جانب، وتتخلص الكرة الأرضية من الروائح الكريهة ويتصفى هواؤها من جانب آخر.
وفي هذا السياق ينبغي أن لا نستخفّ بأمر البكتيريا كذلك، لنفكّر معًا، لو لم تتفسخ النباتات والحيوانات الميتة ولم تتحلل وتذب في التراب منذ أن خُلقتْ الأرض، ولو لم تتآكل أجسام الموتى منذ أبينا آدم عليه السلام، فكيف ستكون الحياة اليوم يا ترى؟ لا داعي للتعمق في الموضوع أساسًا؛ فالبعوض الذي يعيش بضعة أسابيع أو أيام، بل ساعات ثم يموت، لو لم يخضع لعملية التآكل هذه، كنت سترى الأرض مغمورة بجثث البعوض، ولن تجد حينها مكانًا تضع عليه قدمك للمشي.
من هنا، نرى بوضوح أن الخالق الحكيم كلّف أصغر المخلوقات بتنفيذ أعمال غاية في الضخامة، حيث أعطى مهمة تنظيف الأرض لكائنات تعيش ملايين منها في حفنة من تراب فقط.
وهكذا، فالمدبر الرحيم سبحانه الذي لم يترك السليلوز وخلايا البكتيريا سدًى، بل شملها ومثيلاتها من الكائنات الصغرى برعاية خاصة عظيمة، هل يعقل أن يترك الإنسان بلا عناية وهو سلطان هذه الكائنات كلها؟
[1] الليغنين: عبارة عن مركب كيميائي معقد يستخرج في أغلب الأحيان من الخشب، حيث يشكل حوالي ربع إلى ثلث الكتلة الجافة منه. ويعد الليغنين من مكونات الجدار الثانوي في الجدار الخلوي للنباتات وبعض الأشنيات. (المترجم)