سؤال: ألا يمكن أن يكون القرآن من كلام رسول الله ؟ إن لم يكن كذلك فكيف يمكن البرهنة على هذا؟
الجواب: لقد كُتب وقيل الكثير في هذا الموضوع، وقُدمت أدلة عديدة أزالت كل تردد في هذه المسألة، ولا نستطيع في الركن الصغير هذا المخصص للأسئلة والأجوبة سوى عرض رؤوس أقلام بإيجاز.
إن الادعاء بأن القرآن وضع من قِبل سيدنا محمد أو من قِبل آخرين ادعاء انحصر في بعض رجال العهد الجاهلي قديمًا وعند بعض المستشرقين من أعداء القرآن الذين كثيرًا ما ادعوا هذا، وأرادوا منه تعكير الأذهان. ونحن نرى بأن مشركي الأمس واليوم ليسوا حياديين في تفكيرهم، بل تصرفوا بحقد وعداء. ذلك لأن من يتأمل القرآن بإنصاف وبفكر محايد يتبين أن مصدره إلهي، لأنه في مرتبة عالية بحيث يتجاوز القدرة البشرية.
ونحن نحيل من يريد التحليل الدقيق والعميق لهذا الموضوع المهم إلى الكتب القيمة التي كتبها عمالقة الفكر، ونكتفي هنا بالتذكير ببعض النقاط الرئيسة في هذا المجال:
1- هناك فرق كبير جدًّا بين أسلوب القرآن وبين أسلوب الحديث النبوي بحيث إن العرب بينما كانوا يرون في أحاديث الرسول r خارج القرآن أسلوبًا مثل أسلوبهم في الحوار، فإنهم لم يملكوا أنفسهم من الحيرة بل الذهول من الأسلوب المعجز للقرآن.
2- عندما تقرأ الأحاديث تحدس وراءها شخصًا يفكر ويتحدث قد ملأته خشية الله تعالى؛ بينما تجد في القرآن مهابةً وجلالًا وأسلوبًا قاهرًا. لذا فمن المستحيل أن يجتمع في أسلوب شخص وفي بيانه مثل هذا الفرق الكبير والبون الشاسع… هذا غير معقول وغير ممكن.
3- إن من المستحيل قيام شخص أمّيّ -فديتُه بأبي وأمي- لم ير مدرسة ولم يقرأ كتابًا بوضع نظام كامل لا نقص فيه ولا قصور… نظام يتناول الفرد والعائلة والمجتمع والاقتصاد والقانون. مثل هذا الافتراض يصادم العقل والفكر والبداهة، ولا سيما إن كان هذا النظام صالحًا للتطبيق طوال عصور عديدة وعند أمم مختلفة وشعوب متفرقة، ولا يزال محتفظًا بنضارته وقوته وقابليته على التطبيق حتى هذا اليوم.
4- الحيـاة والوجود في القرآن وما يتعلق بهما من مواضيع العبـادات والمعاملات تراها متوازنةً بعضها مع البعض توازنًا مدهشًا بحيث إن قمت بتناسي هذا وإهماله وقمت بنسب هذا الكلام إلى إنسان فإنك تكون قد رفعته فوق مستوى الإنسان. ذلك لأن مسألة واحدة فقط من المسائل المذكورة آنفًا تتجاوز الزمن وتتجاوز قدرة أكبر العباقرة. أي إن إسناد هذا الكتاب الذي يحتوي على مئات الأمور والمسائل التي يعجز عن إتيان واحدة منها كبار العباقرة إلى شخص أمي لم ير مدرسةً ولا كتابًا ليس إلا زعمًا باطلًا لا أساس له.
5- يُعدّ القرآن كلامًا معجزًا بما يحتويه من أخبار الغيب للماضي وللمستقبل، لذا لا يمكن أن يُعد من كلام البشر. فنتيجة للبحوث الجديدة في هذه الأيام ظهر صدق ما أخبر القرآن قبل عصور عن الأقوام الماضية البادية وعن طراز حياتهم ومعيشتهم وعن عاقبتهم سيئةً كانت أم حسنةً. فهاكم مثلًا النبي صالحًا ولوطًا وموسى عليهم السلام وأقوامهم، وهاكم مساكنهم التي أصبحت عبرةً لمن اعتبر.
ومع إعجاز القرآن في إخباره عن أنباء الأمم الماضية، هناك إعجاز قرآني في أخباره المستقبلية. فمثلًا أخبر عن فتح مكة وأن المسلمين سيدخلونها آمنين قبل مدة من فتحها: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (سُورَةُ الفَتْحِ: 48/27).
وأخبر بأن الإسلام سينتصر على جميع الأنظمة الباطلة: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا﴾ (سُورَةُ الفَتْحِ: 48/28).
كما أخبر القرآن بأن الساسانيين الذين تغلبوا على الروم سوف يُهزمون في بضع سنين، وأن المسلمين سوف يفرحون يوم انتصار الروم بنصر آخر، وهو انتصارهم في بدر الذي توافق مع انتصار الروم على قول البعض من المفسرين: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (سُورَةُ الرُّومِ: 30/1-5). وعندما حان الوقت الموعود تحقق ما أخبر به القرآن.
وشبيه بهذا الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 5/67). فعلى الرغم من كون الرسول r محاطًا بالأعداء اعتبارًا من عمّه إلى قومه إلى الدول المحيطة به، أعلمه الله تعالى بأنه سيعصمه من الناس، وحقق له ما وعده.
والآية الكريمة: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (سُورَةُ فُصِّلَتْ: 41/53). هذه الآية تقول بأن العلوم سوف تتقدم، أي العلوم المكانية (الوضعية) والعلوم النفسية، وإن هذا التقدم سوف يسوق الإنسان إلى الإيمان. وفي أيامنا الحالية تسرع العلوم لبلوغ هذا الهدف وتقترب منه كثيرًا.
ثم إن القرآن تحدّى الإنس والجن جميعًا: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (سُورَةُ الإِسْرَاءِ: 17/88). هذا التحدّي القرآنيّ وقع منذ نـزوله في مكة ولا يزال قائمًا إلى يومنا هذا. فإذا استثنينا محاولةً أو محاولتين اتسمتا بالهذَيان، لم يتجرأ أحد للتصدي لهذا التحدي أو القيام بوضع شيء يشابهه. فكان هذا أسطع دليل على صدقه وإعجازه.
كان المسلمون في السنوات الأولى لنـزول القرآن ضعفاءَ ومستضعفين في الأرض لا يملكون حولًا ولا قوةً ولا يملكون فكرةً واضحةً عن مستقبلهم. فلم تكن لديهم أدنى فكرة لا عن الدولة ولا عن حكم الدنيا ولا عن منابع القوة لدينهم الجديد الذي سيقلب الأنظمة الدولية آنذاك، بينما كان القرآن يقول: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (سُورَةُ النُّورِ: 24/55). كان القرآن يخاطبهم هكذا ويبين لهم هذه الأهداف السامية ويبشرهم بأنهم سيحكمون العالم. هناك آيات أخرى عديدة لا نستطيع سردها جميعًا هنا وهي تذكر مستقبل الإسلام والمسلمين وانتصاراتهم وهزائمهم، وتقدمهم وتأخرهم.
معظم أخبار القرآن الكريم حول المستقبل ترسم الحدود النهائية التي ستصل إليها مختلف العلوم. فما أخبر به القرآن بشكل رؤوس أقلام مختصراً ومركّزاً حول بعض الحقائق العلمية يذهل العقول ولا يمكن تجاهلها كما لا يمكن إسنادها إلى قول بشر. ولما كانت هناك كتب عديدة تناولت مئات الآيات التي تناولت كثيرًا من الحقائق العلمية بشكل صريح واضح أو عن طريق الإشارة والإيماء فإننا نحيل من يرغب في معرفة تفاصيل هذا الموضوع إلى هذه الكتب القيمة ونكتفي نحن هنا بالإشارة إلى بعض الأمثلة فقط:
1- خلق الكون
﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ: 21/30). هذه الآية متعلقة بخلق الكون، ومع أن هناك خلافًا في تفسير بعض تفاصيلها، إلا أن المعنى العام لها يشير إلى مبدأ خلق الكون. فسواء أكان المعنى للرتق والفتق هو تكوّن المجرات والنجوم من الغازات والسدم، أو تشكل وظهور مجموعات كالمجموعة الشمسية، أو انقسام سحب أو سدم وتجزؤها إلى أشكال ومنظومات معينة متناسقة… فإن المعنى العام لا يتغير في النتيجة. فالآية بالكلمات التي استعملتها وبالأسلوب الذي صاغته احتفظت بجدتها ونضارتها حتى اليوم، وستبقى جديدة في المستقبل أيضًا رغم تساقط جميع النظريات ووضعها على الرف.
2- علم الفلك
هناك آيات عدة في القرآن الكريم حول علم الفلَك. وكم يتمنى المرء الآن لو جمعت هذه الآيات وتم تحليلها واحدة واحدة، وهذا قد يستوعب مجلدات. سنكتفي هنا بالإشارة إلى آية أو آيتين فقط:
﴿اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ (سُورَةُ الرَّعْدِ: 13/2). تذكر الآية رفع السماوات وتوسيعها ثم تشير إلى النظام الدقيق الموجود في الكون وأن كل شيء يسير في نظام ودقة، وتعطي حوله مثالًا نستطيع مشاهدته ومعرفته. صحيح ليس هناك عمد في الظاهر يمكن مشاهدتها تقوم بالحيلولة دون تشتت قبة السماء، ومع ذلك لا نستطيع القول إن مثل هذه العمد غير موجودة تمامًا. فهناك عمد موجودة ضمن القوانين والمبادئ السارية في الكون، وهي تقوم بمهمّة حفظ الكون من التشتت والانهيار، أي إن وجود مثل هذه العمد ضروري.
عندما نقرأ هذا التعبير القرآني تتداعى إلى أذهاننا قوة الجذب المركزي وقوة الطرد المركزي. وسواء أكان هذا يتوافق مع قانون “نيوتن” في الجاذبية أو مع نظرية “المجال” لـ”أينشتاين” فإنهما سيَّان إزاء الإشارة القرآنية.
والحقيقة أن إشارة القرآن إلى “أن الشمس والقمر يجريان” إشارة مهمة. وقد ورد في سورة “الرحمن” أن حركة الشمس والقمر تجري بحساب دقيق: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 55/5). وجاء في سورة “الأنبياء”: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ: 21/33). وفي سورة “يس” بعد أن يذكر جريان الشمس تقول الآية: ﴿لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (سُورَةُ يس: 36/40)، أي أن الشمس والقمر والكواكب الأخرى خلقت تحت نظام معيَّن وأن حركة الجميع في اتساق ونظام رياضيّ دقيق.
تقول آية في سورة الزمر: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ (سُورَةُ الزُّمَرِ: 39/5). هنا جاء ذكر تكوير الليل على النهار، والنهار على الليل عند الحديث عن تعاقب الليل والنهار، أي شبه تعاقب الضوء والظلام في الدنيا بلف عمامة على هامة كرتنا الأرضية.
وتذكر آية أخرى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ (سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 79/30)، أي بشكل “قطع ناقص”، أي إن الأرض بيضوية الشكل، وهكذا يعرض أمام المشاهدين النقطة الأخيرة من العلوم، تلك النقطة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالوحي السماوي.
وبالنسبة لتوسع المكان تقول الآية: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ (سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 51/47). وسواء أكان هذا التوسّع كما فهمه “أينشتاين” أو كما فهمه “أدوين هوبل” من تباعد السدم بعضها عن البعض الآخر، ولكن المهم هو إشارة القرآن إلى صلب هذا الموضوع وتقدمه وسبقه للعلوم التجريبية في هذا الأمر.
3- علم الأرصاد الجوية (Meteorology)
في معرض تعداد نعم الله تعالى وتذكير الإنسان بها وكذلك في معرض الوعيد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم حول سوق الرياح وتكاثف الغيوم وتكهرب الهواء وتولد البرق والرعد. فمثلًا تقول الآية الكريمة: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ﴾ (سُورَةُ النُّورِ: 24/43).
وهكذا يقوم القرآن بشرح حادثة المطر، ويبين وجود نعم إلهية وراء أصوات الرعد المخيفة ووراء سنا البرق الذي يذهب بالأبصار، فيدعو أصحاب القلوب الواعية إلى اليقظة الدائمة، ثم يشرح كيفية نـزول الأمطار والبرد بشكل غريب بحيث لا يتناقض ولا يتصادم مع ما هو معروف الآن علميًّا، فلا يملك الإنسان إلَّا الإعجاب ببيانه. ولكن القرآن هنا لا يركز على التفاصيل الدقيقة لحادثة المطر من ناحية وجود شحنتين كهربائيتين مختلفتين، ووجود قوة تجاذب بين الشحنتين المختلفتين وقوة تنافر بين نفس الشحنتين ودخول الرياح في هذه العملية وقيامها بالتأليف بين السحب التي تحمل هذه الشحنات المتنافرة، واتحاد الشحنات الموجبة المرتفعة من الأرض مع الشحنات الموجودة في الفضاء وتولد البرق ونـزول الماء على شكل قطرات إلى الأرض.. مثل هذه التفاصيل لا يركز عليها القرآن، بل يشير إلى الحادثة الأصلية ويدع التفاصيل لتقدم العلوم بتقدم العصور.
أما آية سورة الحجر ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ (سُورَةُ الْحِجْرِ: 15/22) فإنها تضيف شيئًا جديدًا لهذا الموضوع فتلفت الأنظار إلى دور الرياح في عملية تلقيح الأشجار والأزهار، إضافة إلى دورها في تلقيح السحب والغيوم. علمًا بأنه لم يكن معروفًا في العصر الذي نـزل فيه القرآن حاجة الأشجار والنباتات والأزهار والسحب إلى التلقيح، ولم يكن أحد يعرف أي وظيفة للرياح آنذاك.
4- الفيزياء
من المواضيع التي يتناولها القرآن موضوع أن المادة التي يتألف منها هذا الوجود مخلوقة بشكل مزدوج. ففي سورة الذاريات: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 51/49). فهنا يذكر القرآن أن كل شيء خلق زوجين وأن هذا مبدأ أساسي في الوجود. وفي سورة الشعراء: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 26/7). فيوجه الأنظار إلى مئات الآلاف من الأزواج من النباتات والحيوانات التي تزخر بها الأرض ويتم التذكير بالنعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى.
أما الآية في سورة “يس” فهي أكثر تفصيلًا وشمولًا: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ اْلأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ (سُورَةُ يس: 36/36). تشير هذه الآية إلى الأزواج التي نعرفها من المخلوقات وتقول إن هناك أزواجًا أخرى لا نعرفها وتدعونا إلى التأمل والتفكر.
هناك آيات عديدة أخرى في هذا المجال عدا الآيات التي ذكرناها أمثلة فقط، وكل آية منها تعد معجزةً قرآنيةً تبرهن بأوضح دليل أن القرآن الكريم كلام الله وأن محمدًا e هو رسوله إلينا.
أجل، لقد تناول القرآن مواضيع علمية عديدة بدءًا من ظهور الحياة على سطح الأرض إلى تلقيح النباتات وتكاثرها، إلى خلق أصناف الحيوانات، إلى دساتيرها الحياتية المليئة بالأسرار، إلى عوالم نحل العسل والنمل الغريبة، إلى طيران الطير، إلى طرق تكوّن الحليب في الحيوان، إلى المراحل التي يمر بها الجنين في رحم أمه…إلخ. وذلك بأسلوب خاص به وحده، أسلوب وجيز ومركّز وبليغ ومهيمن. فإذا وضعنا تفاسيرنا جانبًا فإن هذه الآيات تبقى على الدوام محافظةً على غضارتها ونضارتها وتبقى أهدافًا نهائية للعلم.
إذًا فهذا الكتاب يشير إلى هدف يتجاوز ما يستطيعه الآلاف من الناس بعد جهد عصور عديدة من الوصول إليه يتجاوزه فيلخّص الموضوع بشكل دقيق.. مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يعود لإنسان عاش قبل أربعة عشر قرنًا، لأنه لو حاول مئات من المتخصصين وآلاف من العباقرة اليوم لما استطاعوا الإتيان بمثله.. أي بمثل هذا القرآن الغنـيّ جدًّا بمحتوياته وببيانه وأسلوبه الإلهي الجذاب المعجز.
والآن لنسأل مخاطبنا: ممن تعلّم هذا الأمي -الذي كانت أمّيّته معجزةً عليه أكمل التحايا- كيفية تكوّن الحليب لدى الأحياء في عهد لم تكن المدرسة معروفةً فيه ولا الكتاب؟ وكيف استطاع معرفة أن الرياح تقوم بتلقيح الغيوم والنباتات؟ وكيف عرف كيفية تشكل الأمطار والبرد؟ ومن أي مرصد ومن أي تلسكوب عملاق رصد توسع المكان والكون؟ ومَن علّمه أنّ شكل الكرة الأرضية شكل بيضوي؟ وفي أي مختبر تعلم مكونات الجو، وأن الأوكسجين يقل في الطبقات العليا منه؟ وكيف شاهد -وبأي جهاز أشعة أكس- مراحل الجنين في رحم أمه؟ ثم كيف استطاع أن ينقل كل هذه المعلومات إلى مخاطبيه بكل ثقة واطمئنان ودون أي تردد وكأنه خبير متخصص في هذه العلوم؟
5- مثلما قام القرآن الكريم بتعليم الرسـول وظائفه ومهامه ومسؤولياته وصلاحياته وأبان له هذه السبل قام أحيانًا بتوجيهه وتنبيهه ومعاتبته أيضًا. فمثلًا نبهه عندما أذن لبعض المنافقين بينما كان من المفروض ألا يأذن لهم فقال: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ (سُورَةُ التَّوْبِةِ: 9/43). كما لم يوافقه القرآن في موضوع أسرى بدر فقال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (سُورَةُ الأَنْفَالِ: 8/67)، ثم قال: ﴿لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (سُورَةُ الأَنْفَالِ: 8/68).
وعندما سألتْه قريش عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين قال لهم رسول الله r: “أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا”، ولم يستثنِ أي لم يقل “إن شاء الله”، فانصرفوا عنه. فمكث رسول الله r -فيما يذكرون- خمس عشرة ليلة لا ينزل الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل… حتى أحزن رسول الله تأخر الوحي عنه، وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله U بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، والروح ([1])، وفيها أيضًا تنبيهه عليه الصلاة والسلام: ﴿وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ (سُورَةُ الْكَهْفِ: 18/24).
وفي مرة أخرى نـزل ما يشم منه عتاب رقيق حول وجوب أن تكون الخشية من الله تعالى فقط: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ (سُورَةُ الأَحْزَابِ: 33/37).
وعندما حلف ألا يشرب شربة العسل إرضاءً لزوجاته لم يوافقه القرآن في هذا بل عاتبه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 66/1) ([2]).
فبمثل هذه الآيات تُشرح مسؤوليات الرسول ووظيفته وحدود صلاحياته من جانب، ومن جانب آخر يُنبَّه ويعاتَب عندما يخرج ولو قيْد شعرة خارج هذه الحدود، أي حدود “المقرَّبين”. فهل يُعقل أن يقوم شخص بتأليف كتاب ثم يذكر في ثنايا صفحاته عتابًا وتحذيرًا وتنبيهًا لنفسه؟ حاشا لله.. فالكتاب كتاب الله سبحانه، أما هو r فرسول رفيع المنـزلة ومبلّغ عن الله تعالى.
6- إن القرآن ذروة في البلاغة، ولا ند أو مثيل له في هذا الخصوص، لذا لا يمكن عزوه إلى إنسان. عندما أعلن الرسول نبوته كان هناك العديد من الشعراء وعباقرة البلاغة والبيان ممن كانوا محل إعجاب وتقدير الكثيرين، وكان أكثر هؤلاء في الصف المعارض له. وكم تشاور هؤلاء حول كيفية التغلب على القرآن، حتى إنهم أحيانا راجعوا رهبان النصارى وأحبار اليهود لأخذ وجهات نظرهم، لأنهم كانوا قد عزموا على إيقاف سيل القرآن وتجفيف نبعه الفيّاض، وكانوا مستعدين لعمل أي شيء في هذا السبيل. وعلى الرغم من جميع هذه العوائق استمر الرسول في سبيله يكافح الكفار والملحدين، وسلاحه الوحيد هو القرآن حتى وصل إلى النصر المؤزر رغم أنف كل هؤلاء الأعداء.
وبينما كان بلغاء العرب في جبهة واحدة مع علماء المسيحية واليهودية يقيمون الدنيا ويقعدونها، كان الأسلوب البليغ للقرآن وبيانه الساحر وروحانيته الأخاذة تفتح القلوب وتغزوها… لقد وقف في الميدان وقفة مبارز يتحدى خصومه أن يأتوا بمثله، فإن لم يستطيعوا فليأتوا بسورة من مثله، فإن لم يستطيعوا فبآية واحدة، وإلا فنَكِّسوا رؤوسكم وانصرِفوا ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (سُورَةُ الإِسْرَاءِ: 17/88)، ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (سُورَةُ هُودٍ: 11/13)، ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (سُورَةُ يُونُسَ: 10/38)، ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (سُورَةُ البَقَرَةِ: 2/23).
وهكذا تعاقبت التحديات ولكن لم يستجب أحد لهذه التحديات أو يتجاسر على قبولها، إن استثنينا محاولة أو محاولتين كان الهذيان طابعهما. وهذا يُبَرْهِن أن منبع القرآن ومصدره ليس بَشَريًّا. ذلك لأن التاريخ يشهد أن خصوم الرسول وأعداءه لم يتورعوا عن أي شكل من أشكال العِداء والإيذاء والمحاربة، ولكنهم لم يفكروا في تقليد القرآن. ولو استطاعوا ذلك، أي لو كان ذلك في وسعهم لما تأخروا عنه أبدًا، ولَمَا كانت هناك حاجة للدخول في الحروب.
أجل، إن اختيار هؤلاء البلغاء والفصحاء طريق الحروب التي تتعرض فيها الأنفس والكرامة بل حتى الأعراض إلى الخطر، يبرهن على عجزهم عن تحدي القرآن. ولو كان باستطاعتهم تقليد القرآن أو الإتيان بمثله لَمَا تأخروا عن ذلك ولما اختاروا طريق الخطر وهو طريق الحرب.
وبعد ثبوت عجز بلغاء العرب عن الإتيان بمثيل للقرآن، فإن البحث عن منبع القرآن ومصدره في علماء أهل الكتاب من يهود أو نصارى بحث عقيم ودليل على العجز. ولو كان في مقدور اليهود والنصارى الإتيان بكتاب غني بمحتواه مثل القرآن لم ينسبوه إلى شخص آخر، بل كانوا يفاخرون الناس بمثل هذا الكتاب الذي وضعوه.
ثم إننا إن صرفنا النظر عن بعض المستشرقين والكفار فإننا نرى آلافًا من المفكرين والباحثين ورجال العلم الذين أبدوا إعجابهم وتقديرهم لما في القرآن وبلاغة أسلوبه من معنى ومبنًى ثريّ.
يقول “جارلس ميلر”: إن القرآن ببلاغة أسلوبه وغنى محتوياته في مستوى يصعب ترجمته.
ويقول “فيكتور أمبروس”: أن القرآن غني المحتوى إلى درجة يصلح معه لأن يكون منبعًا لجميع القوانين.
ويقول “أرنست رينان”: إن القرآن أحدث ثورة أدبية كذلك بجانب الثورة الدينية.
ويقول “كوستاف لوبون”: أن الدين الإسلامي الذي أتى به القرآن يحمل أصفى عقيدة توحيدية وأنقاها.
ويقول “ك.أ. هيوارت”: إنه يؤمن بأن القرآن وحي من الله تعالى إلى رسوله محمد .
ويقول “هـ. هولمان”: إن محمدًا هو آخر نبي أرسله الله تعالى للناس، وإن الدين الإسلامي هو آخر الأديان السماوية.
ويقول “أميل درمنهيم”: إن القرآن هو المعجزة الأولى للرسول r وإنه بجماله الأبدي سيبقى لغزًا لا يمكن الوصول إليه.
ويقول “آرثر بللغزي”: إن القرآن الذي قام محمد بتبليغه هو من عند الله.
ويقول “جين بول روكس”: إن أكبر معجزة لرسول الإسلام هو القرآن الذي أنـزل وحيًا عليه.
ويقول “رايموند جارلس”: إن القرآن هو أكثر كتب الوحي الإلهي -المبلغ إلى المؤمنين- حيويةً.
ويقول الدكتور “موريس”: إن القرآن معجزة وفوق كل نقد، والذين يشتغلون بالأدب يجدون فيه مصدرًا أدبيًّا، أما المتخصصون في علم اللغة فيجدون فيه خزينة كبيرة للألفاظ، وهو منبع إلهام للشعراء.
ويقول “مانويل كنج”: إن القرآن هو المجموع الكامل لما تلقاه النبي من الوحي طوال سنوات نبوته.
ويقول السيد “رودويل”: إن الإنسان ليزداد ذهولًا كلما أمعن في قراءة القرآن، ولا يملك إلا الإعجاب به وتبجيله…
ما نقلناه أعلاه ليس إلا بعض الجمل من بعض رجال العلم والفكر، وهناك مئات غيرهم توصلوا إلى النتيجة نفسها، وذلك حسب سعة فكرهم، ولم يجدوا أمامهم سوى إبداء الإعجاب والتقدير للقرآن الكريم. وما كان لنا أن نقول شيئًا حول القرآن الكريم بجانب العديد من الأساتذة والمختصين وبجانب الكتب القيمة جدًّا في هذا الموضوع، ولكننا أردنا مشاركةً بسيطةً في هذا الأمر، وعسى أن يغفر لنا صاحب القرآن هذه الجرأة.
[1] سيرة ابن هشام: 1/322-323؛ تفسير الطبري: 17/593.
[2] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ: أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لاَ، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ (البخاري: الطلاق، 8؛ مسلم: الطلاق، 20)