سؤال: كيف وصل الإنسان إلى قارة أمريكا؟
الجواب: تفوح من هذا السؤال رائحة الجدل والمغالطة، السؤال يبدو بسيطًا لكن الهدف من طرحه ليس كذلك، فهم يحاولون أن يقولوا: “أنتم تقولون: الناس جميعًا من نسل آدم وحواء عليهما السلام، فكيف جاء هؤلاء وهم من أب واحد وأمّ واحدة إلى هذه القارة الجديدة؟ فلو كان الأمر كما تقولون لما استطاع أحد الوصولَ إليها، والنتيجة أن هذا دليل على نشوء كل إنسان في منطقته الخاصة به نشوءًا ذاتيًّا، أي بالتطور”.
هكذا يكمن مثل هذا الفكر الإلحادي تحت سؤال كهذا يبدو بسيطًا للوهلة الأولى؛ أجل، نقول: الناس جميعًا من نسل آدم وحواء عليهما السلام، ولسنا نحن من يقول هذا، بل إن الله هو من يقوله I؛ فنحن نؤمن به حقًّا ويقينًا.
يحاول العلماء الماديون منذ سنوات بنظرياتٍ كثيرة دحْضَ ما في القرآن الكريم عن الخلق، لكننا رأينا -كما فصّلنا في موضعه[1]– بأن هذه النظريات المكرّرة تهافتت تِباعًا، وثبت علميًّا أن ما ذكره القرآن هو الصحيح، ولن ندخل في هذا الموضوع الآن، بل نُحيل من يرغب في ذلك إلى ما قلناه بالتفصيل في هذا الصدد، ونكتفي بأن نقول: الناس جميعًا هم من نسل آدم وحواء عليهما السلام، وتُمنَى النظرية الداروينية التي ادعت العكس بسيل جديد من نبال المعارضة العلمية، ونذكِّر أن الداروينية ليست إلا نظرية فحسب.
قد يرى بعضهم أننا نحاول حشد أدلة أكثر مما ينبغي لدحض هذه النظرية المبنية على أسس واهية جدًّا، لكننا معذورون في هذا؛ فللفكر الإلحادي الخبيث الكامن فيها خطر يسوّغ قيامنا لحشد الأدلة بل يضطرنا إليه.
والمُشاهَد أن نظرية التطور وُلدت جثة هامدة، لم تسر فيها الحياة أبدًا، وتعرضت حتى الآن لسهامِ المئات بل الآلاف من العلماء المؤمنين حتى أثخنت بالجراح، وحُكم عليها بالإعدام مئات المرات؛ فتفنيدنا لها سببه محاولة بعض أهل الضلالة إحياءها وخداع بعض الشباب بها.
وبصدد هذا الموضوع نقول: تعرضت الأرض مرات لتغيرات كبيرة، فالجيولوجيون يقولون مثلًا: كان البحر الأبيض المتوسط بَرًّا قبل عشرة آلاف سنة، وكان كثير من البر اليوم بحارًا آنذاك؛ فإن صحّ ما يقولونه، فمعنى هذا أن حضارة ودولًا قامت آنذاك في أرض البحر الأبيض المتوسط؛ ومثل هذا يقال في قارة أمريكا وأستراليا، فيحتمل أن هاتين القارتين كانتا متّصلتين بالقارات الأخرى، وأن المحيطات التي تفصلها الآن كانت برًّا، وهذا يبين أن انتقال الإنسان إلى قارة أمريكا وغيرها من القارات كان ممكنًا ميسورًا.
وتاريخ الإنسانية أقدم مما يُتصور، فمنذ مدة نُشرت مقالات حول العثور على هيكل عظمي لإنسان عاش قبل 270 مليون سنة، أما عمر أقدم هيكل عظمي للقرد تم العثور عليه حتى الآن فيرجع إلى 120 مليون سنة، أي بينهما فرق كبير جدًّا، ونلاحظ أيضًا أن بعض الأحياء المائية التي تعيش في أعماق البحار كالطحالب باقيةٌ بحالها كما كانت قبل 500 مليون سنة، وخلية النحل هي هي قبل 500 مليون سنة.
ويشير العلماء بهذه الأرقام إلى أن نشأة الوجود وتاريخ الخليقة أقدم مما كان يُتصور سابقًا.
ولا يجوز الحكم على عهود تاريخية أقدم من العهود التي عرفها علماء التاريخ، فعلى الأقل يدخل ما ذكرناه في دائرة الاحتمالات التي يجب إجراء التقييم على ضوئها، فأصحاب النظرية المعارضة لنظريتنا لا دليل يُعتدّ به عندهم لنقض نظريتنا.
عندما التقى أهالي “مايا” بالفرنسيين قالوا لهم: في تاريخنا القديم المكتوب أن أرضنا كانت متصلة قديمًا ببَرّ بلد آخر، وأن طوفانًا أتى على ذلك البلد فأغرقه في البحر؛ وبقينا في الأعالي.
وفي تاريخ الهند إشارة مماثلة لهذا، فهم يذكرون حدوث طوفان كبير انفصل إثره البر المجاور لهم، وفصل بينهما المحيط؛ فقد تكون قارة أستراليا هي ذاك البر؛ فرحيل الإنسان إلى قارة أمريكا أو أستراليا لم يكن عسيرًا أو مستحيلًا كما يدّعون.
وأخيرًا لو فرضنا أنّا اعتمدنا برّ الأرض كما هو موجود الآن، فالوصول إلى تلك القارات ليس عسيرًا، فمضيق “بيرنغ (Bering)” كثيرًا ما تتجمد مياهه، فيمكن العبور من روسيا إلى أمريكا، وهذه المسافات يمكن قطعها حتى بالسفن البدائية، ونحن نعرف أن الرحّالة المسلمين استطاعوا الوصول إلى أمريكا قبل كريستوف كولومبوس، أي قبل وجود السفن الحديثة، وشحنوا حتى جيادهم على سفنهم، واكتشفوا أمريكا؛ وهذه الحقيقة يشير إليها كثير من الباحثين؛ فانتقال الناس إلى أمريكا وتكاثرهم هناك لم يكن عملية مستحيلة أو حادثة غريبة خارقة للعادة، بل هي حادثة معتادة.
أما تفنيد الداروينية، فقيل الكثير جوابًا على الأسئلة المثارة حولها، وطبعت كتب وبحوث علمية كثيرة تدحضها، فلتراجع.
[1] لما رأى الأستاذ فتح الله كولن الحاجة ماسة للوقوف على ماهية “نظرية التطور” ألقى فضيلته محاضرة تدور حول هذه النظرية موضحًا أنها تستند على أسس عفنة واهية كما أنها مليئة بالمغالطات، ثم صيغت هذه المحاضرة على شكل كتاب تُرجم فيما بعد إلى بعض اللغات ومنها اللغة العربية ونشرته مؤسسة دار النيل باسم “حقيقة الخلق ونظرية التطور”.