ألم يقل فخر الإنسانية (ص) ليبلغنّ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار؟ لقد أثنى القرآن على هذه الأمة المباركة (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) يا أمة محمد! أنتم خير أمة أخرجت لحمل الناس إلى الخير، تحثّون على الصدق والجمال وفق الأصول الصحيحة وتنشرونها، تسعون إلى منع الشر والانحراف والسيئات، تفعلون ذلك بدافع إيمانكم.
أجل، بعد أن ذُكر المنافقون بأوصافهم، جاء ذكر المؤمنين بهذه الخصال الرفيعة. كثيرة هي الأماكن التي ذُكر فيها المؤمنون وحُمّلوا مهمة نشر الحقيقة وإبعاد الناس عن المساوئ. ستقومون بهذه المسؤولية. هذا أمر لا بد منه، هذا من الأصول الأساسية. أما الأسلوب فعليكم أن تضبطوه وفق المبادئ التي أرساها المجتهدون، ووفق الكليات التي وضّحها المجددون الذين يبعثهم الله في كل قرن.
لا تدمروا الأصول والثوابت بسوء أسلوبكم. حذار أن تخرقوا الأصول بأخطاء أسلوبية. هذا موضوع في غاية الأهمية. احرصوا على أن تحتكموا إلى العقل المشترك. تشاوروا فيما بينكم، قولوا: “هناك مسألة، لكنّ عرضَها قد يثير ردة فعل الناس، فكيف نعبر عنها يا ترى؟”
هذه من الديناميات الأساسية التي تحافظ على حيويتكم. وهناك أمر آخر، وهو أن تقدموا تلك المحاسن في معارض مختلفة، تقدمونها سلوكا وحالا وامتثالا للناس أجمعين. ليست العبرة بكثرة الكلام على المنابر. الأصل أن تتمثلوا “إذا رُؤي ذُكر الله”. هذه من السمات البارزة لدى العظماء في علم الرجال. من إذا رأيته ذكّرك بالله، هذا هو المؤمن الحق.
يا من إذا سجد تجلى الله، قيل هذا في سيدنا رسول الله (ص). القرآن الكريم يصف تقلّباته أثناء السجود (ص). (وتقلّبك في الساجدين). إنه عز وجل يرى كيف تتقلب وسط الساجدين لكي تقوم بمهمة العبودية على أكمل وجه، يرى كيف تجهد نفسك لكي يكون هؤلاء الساجدون عبادا لله حقا. من يراكم على هذه الحال من الاحتراق سيتساءل “ما القصة؟ لماذا أنتم هكذا؟” هذا السؤال فرصة للتعبير عن قضيتكم، فرصة لتوضيح سلوككم أو شرحه أو وضع حاشية عليه. فرصة ذهبية للحديث عن الحقيقة، وهذا هو المطلوب.