Reader Mode

ينبغي علي كل من يقوم بوظيفة التبليغ والإرشاد الإحاطة بالقضايا الإسلامية. وهذه خصيصة رابعة في مضمار سُبل الإرشاد. فعلى الجميع ألا يتفلسف أو يُطنِبَ في ذِكْرِ ما يهوى، وألّا يهرفَ بما لا يَعرِف؛ لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: “تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ”[1]

ومن ثم علينا ونحن نحدِّث الناس عن أمر في الدعوة الإسلامية أن يكون حديثنا في إطار هذين المصدرين الأساسيين وأن نحيط علمًا بالموضوع الذي نتحدّث حوله.

ولا بد ألا نميل في حديثنا إلى الجَدَلِ والإلزام، وأن تكون الأمور التي نحدِّث الآخرين بها أمورًا فهمناها واستوعبناها حتى يستطيع المخاطب استقبالها واستيعابها دون مشقّة (ففاقد الشيء لا يعطيه)، كما قال “بديع الزمان سعيد النُّورسي”: “إن العالم المرشد الحقيقي يَهَبُ للناس علمَه في سبيل الله دون انتظار عوضٍ أو أجرٍ ويصبح كالشاة لا الطير، فالشاة تُطعم بَهْمَتها لبنًا خالصًا، بينما الطير تُلقم فراخَها قيأها المليء باللُّعاب”[2]

عندما تنفذ المعلومات الإرشادية إلى أرواح المخاطبين سرعان ما يتحولون إلى خليّة عسلٍ للعلم والمعرفة.

اغترفوا من ثقافة العصر

لا ريب أن هذا يتطلَّب القراءَة والاستظهار وتوسيعَ دائرة الثقافة والمعرفة. وينبغي لمن يقومون بوظيفة الإرشاد تخصيص وقتً معيّنً للقراءة بصفة دائمة، فمن حُرم من ثقافة العصر لن يَمْلِك ما يقوله لمخاطبه المعاصر. ولا يستطيع الإنسان سطحي الثقافي أرواء ظمأ مخاطبه المشغول بإرشاده مدة طويلة، ولذا فعلى أي مرشد يتعامل مع مختلف أنواع المخاطبين الإحاطة علمًا بالموضوع الذي يُحَدِّثُ فيه مخاطبَهُ بالقدر الذي يروي ظمأه على الأقل.

إن من يتخلّف عن مواكبة عصره لن يملكَ ما يُقدِّمه لإنسان هذا العصر.

أيها المرشدون: تزودوا

إنّ مَنْ جعلوا الإرشاد بغيةَ حياتهم لا بد وأن يتزوّدوا بالعلم والمعرفة، لأنّ الداعية الفارغ ينزح من بئر معطّلة، علاوةً على ذلك فإن مثلَ هذه الطائفة من الناس تحاول جبرَ قصورِها في القضايا التي يُحدّثون الناس عنها باللجوء إلى الحِدَّةِ والعُنْفِ؛ الأمر الذي يجعل حديثهم غير مقبول وإن كان عن مسألة منطقية يسهلُ فهمُها، وإنما يقع النفورُ كردِّ فعلٍ على أسلوبهم. وندعو الله تعالى أن يقوم النورانيّون في عهد النور بإنارة العالم وتوجيه الأنظار إلى منبعِ النور، وأن يتزوّدوا بالمعرفة في كلّ ساحات العلم، وأن يملئوا حِجر كلّ طالب علمٍ يقف على بابهم بالجواهر المحمديّة ويروُوا ظمأه.

——————————————————————

[1] موطأ الإمام مالك، 5/1323.

 [2] بديع الزمان سعيد النُّورسي”: الكلمات، اللوامع، ص 829.

المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص:25-27.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts