﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾(العَنْكَبوت:45)
مع أن الصلاة تنهى الشخص الذي يؤديها عن الفحشاء والمنكر، إلا أن وقوع مثل هذا الشخص في بعض الأخطاء شيء مقدر والحديث النبوي الذي يقول “كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون”يشير إلى هذه الحقيقة.
إذا أدّى الإنسان صلاته بمعناها الكامل تتوسع عنده فترات النور، وتقلُّ عنده فترات الظلام والعتمة. وتنمو عنده حالات البسط، وتكاد تنمحي عنده حالات القبض. تضيق في عالمه الداخلي المنافذ المفتوحة للنفس وللشيطان، وتنفتح الأبواب الروحانية والملائكية على مصاريعها. ولكن كل هذا مرتبط بأداء الصلاة عن وعي، أي مرتبط بالصلاة التي تحرك القلب، وتغذي المشاعر، وتـهزّ الإحساس إلى حـدّ الارتجاف. أي إن الصلاة الواردة في الآية ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ هي الصلاة بمعناها الكامل. أما الذين لا يبلغون في صلاتـهم هـذا الأفق، فلا مناص من وقوعهم في الأخطاء.
إن نـهي الصلاة للشخص عن المنكر وتوجيهه نحو المعالي مسألة تركيز جدي. فمثلاً عندما نصوم رمضان في أشـهر الصيف ونمتنع عن الطعام والشراب ما يقارب 16-17 ساعة، ثم عندما نفطر ونتناول كوب ماء نحس بـهذا الماء وهو يتوزع في كل جزء من أجزاء جسدنا. ونظير هذا يجب أن يحس وجداننا بكل كلمة نقولها في أثناء الصلاة وبكل ركن نؤديه من أركانـها، وأن تـهز هذه الصلاة قلوبنا وتذكرنا أننا أمام الله تعالى. مثل هذه الصلاة هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. إذن نستطيع هنا أن نقول إننا بدرجة المستوى الذي نبلغه في الصلاة نكون بعيدين عن المنكرات. وبمرور الوقت تكون مثل هذه الصلاة بأبعادها العميقة عاملا مهما في توجيه سلوكنا.
ونستطرد هنا فنقول بأن على الإنسان -شريطة ألا يقع في اليأس- أن يحاسب نفسه على الدوام. عليه أن يكون حذرا وأن يقول لنفسه على الدوام: “ماذا لو ردت علي هذه العبادات، وماذا لو رميت صلاتي بوجهي كخرق بالية”. ولكن يقول هذا بالنسبة لنفسه وليس بالنسبة للآخرين، لأن هذا حرام بيّن ويعد سوء ظن. أجل!… لنكرر هنا قولا مأثورا كثيرا ما نكرره وهو: “يجب أن يتصرف الإنسان مثل مدعي عام -أي ممثل اتهام- أمام نفسه، ومحاميا عن الآخرين”. أي يرى زلاته الصغيرة ذنوبا كبيرة، ويتصرف بشفقة وبحنان الأم أمام الأخطاء الكبيرة للآخرين. وحتى عندما ينبه المذنب ينبهه بحنان قلبي. والحقيقة إن هذا هو أسلوب القرآن. ولهذا قال الله تعالى ﴿اُتْلُ مَا اُوحِيَ إلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأقِمِ الصّلاةَ﴾ (العنكبوت: 45). أي يدعونا إلى إرشاد القرآن في كل أمر من أمورنا وفي كل سلوك أو تصرف.
لنرجع إلى الصدد: إن الصلاة التي تؤدى تنفيذاً لأمره تعالى وابتغاءً لمرضاته، وبتعبير آخر إنّ الصلاة التي تُؤدَّى بإخلاص والهادفة إلى رضـا الله تستطيع -بمرور الوقت- إبعاد الإنسان عن الفحشاء والمنكر، إن لم يكن اليوم فغدا. أي تكون الصلاة عبادة تعوق الإنسان عن الوقوع في المنكرات، وأولها الشرك وما يؤدي إليه، أو يقرب منه، ومن الأسباب المؤدية إلى الضلالة. لأن الصلاة عبارة عن عبادة سداها ولحمتها ذكر الله قولاً وفعلاً وحالاً. ومثل هذا الذكر أمر كبير ومتناسب مع عظمة الله، والقرآن الكريم يذكرنا بـهذا عندما يقول: ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ (العنكبوت: 45).