﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ﴾(التَّحْرِيم:10)
قد يتساءل أحدهم: لماذا تكلم القرآن عن امرأة لوط وامرأة نوح؟
يظهر أن امرأة لوط عليه السلام لم تؤمن به، والظاهر أنها ساعدت قوم لوط في منكرهم؛ أو في الأقل كانت من المنافقات، وخانت لوطًا عليه السلام. وعاقبة المنافق أشد من عاقبة الكافر.
كما أن لوطاً عليه السلام كان غريبا وأجنبيا عن القوم الذين أرسل إليهم. فهو لم ينشأ بينهم. وآية ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ (هود: 80) تشير إلى هذا. وفي هذا الوضع الذي كان فيه النبي لوط عليه السلام عاجزا من الناحية المادية ومن ناحية القوة عن الوقوف أمام هذا القوم في الخارج فإن الأمر المخيف أن يتعرض للخيانة من الداخل. ومن هنا يتضح سر ذكر القرآن هذا الأمر وسببه؛ ولا سيما إن تذكرنا أن هذه الخيانة كانت صادرة من زوجته التي كانت تضع رأسها كل ليلة على الوسادة بجانبه.
ويمكن ذكر الشيء نفسه بالنسبة للنبي نوح عليه السلام فحسب قاعدة “بحسب المغرم المغنم”فقد كان من المفروض الاستفادة من وضع هذا البيت النبوي المملوء نوراً والمرتبط صباح مساء بعوالم ما وراء السماوات. لقد كانت هاتان المرأتان مثل الخفافيش التي تنـزعج من النور. وحسب مضمون الآيـة ﴿وَلاَ يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً﴾ (الإسراء: 87) كانت تريان النور ظلاماً والشفاء مرضاً؛ فعاشتا خسراناً فوق خسران، لذا كان من الضروري أن تكون حالهما مثل شرارة تشعل مشاعر الخوف والرهبة في القلوب والصدور من جهة ونسمة تفتح أبواب الرجاء فيها.
وكم من أشخاص وجدوا -مثل هاتين المرأتين البائستين- فرصة العيش في أجواء نظيفة، ولكنهم لم يتمكنوا من الاستفادة من نفحات هذه الأجواء، بل عاشوا -حتى في هذه الأجواء الشبيهة بأجواء سفوح الجنة- بمشاعر أهل جهنم، وتنقلوا من الكفر إلى الخيانة وراوحوا بين الجحود والخيانة، وأخذوا أماكنهم في صف الكفار وليس في صف الأنبياء حتى ولو كانوا أزواجهم، وحاولوا إطفاء نور الله بأفواههم. وهكذا لم يعرفوا قيمة النعم التي كانت في متناول أيديهم من ناحية الإمكان والقوة، ففقدوا إمكانية الكسب وحولوا مكاسبهم المنتظرة إلى خسران مبين فأضاعوا بذلك حتى فرصة الشفقة على وضعهم الأليم.
والتعبير الأصح هو أنهم عاشوا ظلام وظلمات “البعد”بينما كانوا في أفق “القرب”. وبينما كانوا يعيشون في إقليم الشموس اختاروا ولوج الثقوب السوداء.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار آمين يا معين.