Reader Mode

إن للإنسان جانبين هما: الملك والملكوت؛ ويمكن تسميتهما بأسماء أخرى، وقد أطلق بعضهم عليهما الملائكي والشيطاني أو الجسدي والروحاني أو المادي والمعنوي أو النفسي والوجداني، وسعوا لشرح الحقيقة نفسها بعبارات مختلفة.

فبينما يُشكِّلُ آليةَ الوجدانِ القلبُ والروح والسر والخفي والأخفى واللطائف الربانية المتعلقة بعالم الأمر والإرادة والإدراك والشعور والحسّ والمشاعر؛ تُشكّلُ آليةَ النفس الغرائزُ والنزوات والأهواء والحقد والبغض والغضب والعناد… هذه المشاعر التي وُهِبت للإنسان لغاياتٍ وحِكمٍ معيّنة… وهاتان الآليتان تعملان غالبًا على النقيض، غير أنَّ آليّة النفس تغدو إيجابيّةً إنْ تغلّبت عليها آليّةُ الوجدان، ثم تتحوّل إلى آليّةٍ تعمل على رفعة الإنسان ورقيّه.

الأولياء يعلمون خصائص الوجدان كشفًا، أما الفلاسفة فيعرفونها حدسًا، وقد اتّفق الفريقان على أن الوجدان لا يكذب.

نعم، يمكن أن تصير آليةُ النفس نافعةً للإنسان حينما يجتاز مرتبة النفس الأمّارة -وفقًا لتصنيف الصوفية-إلى مرتبة النفس اللَّوَّامة فالـمُلهَمة فالمطمئنّة فالراضية فالمرضية فالصافية، ولأجل هذا فإنه من النقص والخلل تناول الإنسانِ من جانبه المعنويّ فحسب، واعتباره مجرّدَ آليّة للوجدان فحسب؛ إن الولاية الحقيقية هي ولاية الصحابة؛ وقد صبغ الصحابة آلية النفس بـ”صبغة الله”، ووضعوا خاتمًا من أختام الولاية حتى على المشاعر السلبيّة لدى الإنسان.

إن الولاية الحقيقية هي ولاية الصحابة؛ وقد صبغ الصحابة آلية النفس بـ”صبغة الله”، ووضعوا خاتمًا من أختام الولاية حتى على المشاعر السلبيّة لدى الإنسان.

وبالوجدان يجد الإنسان ذاتَه وربّه؛ ولأجل هذا فإن مئات الناس بدءًا من عظماء الإسلام كالإمام الرباني والإمام الغزالي ومولانا جلال الدين الرومي وبديع الزمان سعيد النورسي، وصولًا إلى كثير من المفكّرين الغربيّين تناولوا الوجدان إما بالكشف وإما بالحدس، وتوقّفوا كثيرًا عند تلك الخاصيّة؛ وإنني لأستخدم بصفة خاصة عبارة “الكشف والحدس” هنا؛ فالأولياء يعلمون خصائص الوجدان كشفًا، أما الفلاسفة فيعرفونها حدسًا، وقد اتّفق الفريقان على أن الوجدان لا يكذب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*محمد فتح الله كولن، الموشور، دار النيل، مصر، 2015، ص88.

عنوان المقال من تصرف المحرر

 

 

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts