Reader Mode

ليست المسألة قضية صراع بين حزب العدالة والتنمية والخدمة. في السنوات الأخيرة بدأ موضوع الحقوق والحريات الأساسية في تركيا يتقلص بشكل خطير. فلغة السياسة الهدامة المفتِّتة باتت تهدد وحدة المجتمع وتدفعه نحو الاستقطاب بكل حدّة. وخلال أحداث “كيزي (Gezi)”[1] اعترضتُ على تسمية المتظاهرين بـ”الأوباش” وقلتُ “ينبغي ألا يُتلفَّظ بذلك”. ونفس الشيء ينطبق على العَلويين أيضًا، وهذا طبيعي في ظل عدم السعي إلى إيجاد حلول ديمقراطية تدافع عن حقوقهم الطبيعية، بل وربما عدم الرغبة في إيجاد تلك الحقوق. لقد أيّدنا “مشروع المسجد وبيت الجمع جنبا إلى جنب”[2] ولكنه لاقى انتقادات حادّة مِن جهات غير متوقَّعة.

لسنا حزبًا سياسيًّا

من ناحية أخرى، نحن لسنا حزبًا سياسيًّا ولن نكون أبدًا. بناء على ذلك فلسنا بصدد منافسةٍ مع أيّ حزب، ونقف من الجميع على مسافة واحدة. وعلى الرغم من ذلك، نتشاطر مع الرأي العام قلقَنا وآمالنا فيما يتعلق بمستقبل بلادنا. أعتقد أن هذا أمر طبيعي نمارسه بموجب حقوقنا الطبيعية والديمقراطية. ولذلك أجد غرابة فيمن ينزعجون من ذلك، فهل صار القول للمسؤولين “لديّ فكرة كذا…” تهمة؟ إن الأفراد في الديمقراطيات المتقدمة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني التي تتشكل من هؤلاء الأفراد، يحق لهم توجيه الانتقادات وإبداء الآراء وتبادلها مع الرأي العام دون أن يسبب ذلك إزعاجًا لأي أحد.

نعمل وفق القوانين

إضافة إلى أن كل المؤسسات التي أقامها إخواننا تعمل وفق القوانين، وهي خاضعة لرقابة الدولة وتفتيشها، مما يعني أننا نتحدث عن عمل شفاف بكل معنى الكلمة. أما المؤسسات غير الشفافة أساسًا، فهي التي ظهرت وبكل وضوح رغم الأكاذيب التي تم تلفيقها للتستر عليها في الأشهر الأخيرة. مشروع الخدمة عماده التطوع، وإنّ اتهام أناس لم يؤذوا في حياتهم أحدًا ولو نملة واحدة، ويراعون القوانين رعاية كاملة، بـأنهم “منظمة سرية” أمر باعث على الأسف.

ولا يخفى عليكم أن مؤسسات الدولة فيها كل الأطياف والأفكار؛ يميني ويساري، علَوي وسُنّي، مسلم وغير مسلم، كردي وتركي… كلٌّ يقوم بوظيفته التي كُلّف بها من قِبل الدولة. والأصل في ذلك أن يؤدي الموظفُ مهامه في إطار القانون. وأيًّا كانت الأفكار التي يعتنقونها، فإن تصنيف هؤلاء الموظفين أثناء عملهم في مؤسسة الدولة حسب أفكارهم وانتماءاتهم في قوائم سوداء، واتهامهم دون دليل، يمثل تجاوزًا في حقهم واعتداء على حقوقهم. وفي حال عدم وجود أي جريمة ثابتة، إن ادعيتم وجود دولة موازية، فإن أوهامكم هذه ستضع أمامكم ألف دولة موازية. وفي هذه الحال ستعرّضون كثيرًا من الأبرياء للظلم.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1] ) أحداث “كيزي (Gezi)”: بدأت احتجاجات “منتزه ميدان كيزي (تقسيم)” في تركيا في 28 مايو 2013. في البداية، قاد ناشطون بيئيون الاحتجاجات ضد إزالة أشجار في ميدان تقسيم وإعادة إنشاء ثكنة عسكرية عثمانية (هدمت في 1940) تحدثت تقارير عن أنه من المقرر أن تضم مركزًا تجاريًا. تطورت الاحتجاجات إلى أعمال شغب بعد أن هاجمت قوات الشرطة المحتجين ونتج عن ذلك أن أعمال الشغب والمظاهرات أصبحت ضد الحكومة وخصوصا بعد إعلان تصريحات أردوغان بإصراره على إقامة هذه المنشئات في هذا الميدان وعلى إثر ذلك عمّت تلك المظاهرات والاحتجاجات جميع محافظات التركيا وخاصة أنقرة وإزمير. كما صرح وزير الداخلية التركية في 23 حزيران/يونيو 2013م أن تلك المظاهرات والاحتجاجات شارك فيها قرابة 2.5 مليون على حد زعمه، ونتج عن تلك الاحتجاجات قتل عشرة مواطنين مدنيين وإصابة 8000 مدنيين.

([2] ) “بيت الجمع” اسم يطلق في تركيا على المكان الذي يمارس فيه العلويون طقوس الذكر، وأما المشروع المذكور هو مشروع إنشاء مسجد وبيت جمع جنبا إلى جنب. ويهدف الأستاذ فتح الله كولن من وراء هذا المشروع إلى إزالة التوتر العلوي السنّي في تركيا، وإزالة الاختلاف بينهما بكسر مظاهر الخشونة والحدة بين العلويين والسُّنّة، وأن يتعرف الجانبان على بعضهما عن قرب أكثر وبشكل صحيح.

المصدر: فتح الله كولن، كلمات شاهدة حول الدين والمجتمع والدولة بأفق إنساني، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2015م، صـ69/ 70/ 71.

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts