Reader Mode

الأستاذ فتح الله كولن

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك. اتسع مدى تأثيره إلى خارج تركيا، فانتشر طلابه ومحبوه في 170 دولة عبر العالم.

ويتميز خطابُه الدينيُّ والفكريُّ بالدعوة إلى السلم العالمي من خلال الحوار بين الثقافات وبين أتباع الديانات المختلفة، حيث حصل على جائزة غاندي العالمية للسلام عام 2015، كما صنَّفتْه مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في استطلاع لها عام 2008 نُشِرَ بالتعاون مع مجلة “بروسبيكت” البريطانية واحدا من أهم الشخصيات العامة المؤثرة في العالم.

ما هي “الخدمة”؟

الخدمة حركة مدنية تربوية ومجتمعية ظهرت في تركيا عام 1966، على أساس أفكار واجتهادات العالم والمفكر فتح الله كولن. وقد أُطْلِقَ عليها اسم “الخدمة” نظرا لطبيعة أنشطتها القائمة على خدمة الإنسانية في مجال التربية والتعليم. وقد ظهرت أول مؤسسة أنشأتها لاستقبال الطلبة بتأثير من أفكار الأستاذ كولن سنة 1974 في مدينة إزمير، ومنها إلى بقية أنحاء تركيا، حيث تُعَدُّ الخدمةُ اليوم واحدة من أكثر الحركات المدنية انتشارا.

ومع بداية التسعينات وبفعل الحاجات التربوية والتعليمية والاقتصادية لأبناء دول آسيا الوسطى التي خرجت من سلطة الاتحاد السوفياتي، امتد نشاط المتطوعين من أبناء الخدمة –وخاصة المعلمين والتجار-إلى هذه الدول، ودول البلقان ودول أخرى عديدة.

وخلال ربع القرن الأخير انتشر نموذج حركة الخدمة بدافع النجاحات التي حَقَّقَها، في أغلب الدول على امتداد القارات الخمس، حيث إن للخدمة اليوم أنشطةً وبرامج تعليمية وثقافية وغيرها في نحو 170 دولة عبر العالم.

رسالة حركة الخدمة

تتلخص رسالة الخدمة كما تُعبّر عنها كتب وأفكار الأستاذ فتح الله كولن المنشورة خلال الأربعين سنة الماضية في بناء الإنسان وإعداده تربويا وتعليميا وفكريا، حتى يكون مُؤهَّلا لإسعاد نفسه، ومساعدة غيره، ورقي مجتمعه، وتقدم بلاده؛ وليتشبع بقيم التعايش والحوار فيكون عنصر سلام في عالمه.

رؤية حركة الخدمة في التغيير

تتلخص رؤية حركة الخدمة لبلوغ رسالتها في التركيز على العمق المعنوي والحضاري والمجتمعي للإنسان، حيث لا تشتغل بالعمل السياسي لأنها تَعْتَبِرُ التنافس على السلطة منهجا غيرَ مناسبٍ لتحقيق غاياتها الكبرى، المتمثلةِ في محاربة ثلاثة أعداء عالميين، هم الفقر والجهل والصراع بمختلف أشكاله، عن طريق التربية والتعليم والأنشطة الاقتصادية والإغاثية والتركيز على برامج الحوار في كل مكان من العالم.

وسائل حركة الخدمة

تتمثل الوسائل التي تستثمرها حركة الخدمة لتحقيق غاياتها في العمل الإيجابي البنّاء من خلال المجالات التالية:

  • التعليم، ببناء المدارس والجامعات وإقامات الطلبة ومراكز الدعم المدرسي.
  • الإعلام والنشر والثقافة والفنون، بتأسيس دور نشر الكتاب وإصدار الصحف والمجلات وتنظيم الندوات والمحاضرات وإقامة المعارض والمهرجانات الثقافية والفنية التي تُعَدُّ وسيلةً لتعارف الشعوب وتلاقُح الثقافات.
  • برامج الحوار بموضوعاته ومجالاته المتنوعة وبين مختلف الفُرَقاء عبر دول العالم.
  • الأنشطة الاقتصادية، بتشجيع الناس على الكسب الاقتصادي ومساعدتهم على امتلاك الخبرات في هذا المجال، ليتمكنوا من مساعدة غيرهم من المحتاجين، والاستثمار –بدورهم- في ميادين التربية والتعليم.
  • العمل الإنساني والإغاثي، حيث تمتد أنشطة جمعية “كيمسه يوكمو” (هل من أحد؟) وأمثالها من المؤسسات التي أسسها المتطوعون من أبناء الخدمة في عدد من الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.

وتتميز المؤسسات القائمة على هذه المناشط بالاستقلالية التامة عن بعضها، وعدم وجود علاقة تنظيمية بينها قائمةٍ على العضوية، بل على نسق مفتوح، مبنيٍّ على استلهام فكر الأستاذ فتح الله كولن. وتعود تلك المؤسسات لأشخاص أو شركات خاصة أو جمعيات مدنية مستقلة أسسها متطوعو الخدمة.

إنجازات حركة الخدمة

بلغ عدد المدارس التي أسسها المقتنعون بأفكار حركة الخدمة داخل تركيا (قبل أن تغلقها القيادة التركية قسرا) وخارجها حوالي 3000 مدرسة، وعدد الجامعات 30 جامعة في دول كثيرة، ويتخرج من هذه المؤسسات التعليمية آلاف الطلاب الذين يستجمعون في تكوينهم البُعدَينِ المعرفيَ والقيميَ، وتَترسَّخ فيهم سلوكيات السلم وقبول الآخر والتعايش الإيجابي، حيث يدرس في تلك المؤسسات طلابٌ من مختلف الجنسيات والأديان والأعراق والطوائف عبر العالم، إلى درجة أنها تُعتبر “جزر سلام في عالم متوتر”، خصوصا في بعض مناطق الحروب والتوترات.

كما يقدم متطوعو حركة الخدمة خدماتٍ إغاثيةً وطبيةً ومساعداتٍ إنسانيةً في مناطق الكوارث وبُؤَر التوتر، والدول التي تعرف خَصَاصا لهذه الخدمات في آسيا وإفريقيا حيث تعمل مؤسسة ” هل من أحد؟” وشقيقاتها من المؤسسات المشاهبهة.

بالإضافة إلى أنشطتها المتنوعة في المجال الاقتصادي حيث تنشط في ربط علاقات الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك بالعالم، وأنشطتها في مجال تعليم اللغات والبرامج التعريفية بحضارات وثقافات المجتمعات المختلفة، فإن حركة الخدمة تُعَدُّ اليوم نموذجا عالميا رائدا في مجال تثبيث السلم العالمي من خلال الحوار الديني والثقافي، وتجربة رائدة تستلهمها دول ومؤسسات مَعْنِيّة بهذا المجال.

حركة الخدمة والاتهامات الحالية لها

اجتاز الأستاذ فتح الله كولن والمتطوعون في حركة الخدمة والمتعاطفون معها ظروفا قاسية بسبب الادعاءات الظالمة التي وُجَّهَتْ إليها، وافتراءاتِ وقوفها خلف “المحاولة الانقلابية” التي جرت في تركيا صيف عام 2016، وما تلا ذلك من ألوان الاضطهاد والظلم التي تَعَرَّضُوا لها. وهذه الظروف هي من جهةٍ، مُنَاسَبَةٌ لاختبار رؤيتها وسلوكها في كل الحالات بما في ذلك أصعبها.

فمن الدروس المستفادة من هذه التجربة: استمرارُها في العمل الإيجابي، الذي يحقق رسالةً ساميةً آمنَ بها أبناؤها ونذروا حياتهم لتحقيقها، وذلك في كل مكان ومجال متاح. الدرس الآخر هو التزامها الثابت –برغم تلك الظروف-بالخط السلمي الذي آمنتْ به ودعتْ إليه دائما، وعدمُ الانجراف إلى الصراع بأي شكل من أشكاله: سواء العنيف أو السياسي. كما تُمَثِّلُ مقابلةُ المظالم بالالتزام بالقانون من قِبَل حركة الخدمة، والإصرارُ على الاحتكام إلى المؤسسات الشرعية درسا بليغا آخر في هذا السياق.

فهرس الكتاب