سؤال: كيف ندرك خصوصية عالمية الإسلام ؟
الجواب: أجل، إن الإسلام دينٌ عالمي، فهو يقدّم رسالاته للناس جميعًا بوضوح تامٍّ لا فرق بين قوم وقبيلة وشعب ولا ماضٍ أو حاضر أو مستقبل، ولا بين مكان وآخر، فآسيا وأوروبا وأمريكا وأرض العرب سواء… إنه يخاطب البشرية جمعاء، تأملوا في القرآن كلامَ الرسل جميعًا منذ آدم عليه السلام حتى قُبيل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تجدوهم جميعًا عليهم السلام يخاطبون أقوامهم قائلين: “يا قومِ، يا قومِ”، أمَّا سيد الزمان والمكان صلى الله عليه وسلم فيقول: “يا أيها الناس”، وما أكثر الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تعزز هذا المعنى وتعضده، منها قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ: 21/107)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً (وفي رواية: وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ)”[1]، وهذا غيض من فيض.
وبينما كان الإسلام يقرِّرُ عالميته لم يزعم أنه “نظام عالمي”، بل ربما أثبت أنه نظامٌ عالميّ بما حققه فعلًا من نشاطات معنوية ومادية أكثر من أن يعرِضَ لزعم كهذا، أي إنّ الإسلام قدّم مقوِّمات ورسائل ونشاطات متنوِّعة من أجل الفرد والعائلة والمجتمع، وهي رسائل تتّفق وتتواءم مع طبيعة البشر، فصارت دليلًا على عالميّته.
وبينما كان الإسلام يهدف إلى هذه الغاية بدأ فتناول الإنسان كُلًّا بجوانبه الإيجابية والسلبية كلّها مثل: أحاسيسه ورغباته وشهواته وحقده وكرهه وغضبه ومحبته… ورسائلُه لم تتعارض على الإطلاق قطّ مع قيم الفطرة المعروفة، فبوسع الإنسان أن يجد في الإسلام كلَّ شيء يشتهيه في دائرة المشروع، وحسب من يرغب ببلوغ الكمال أن يرجع إلى الإسلام ولا حاجة له إلى أي شيء من الرهبانية والبراهمانية والبوذية، وإن أشكل عليه أمرٌ في نظام عائلته وتربية أسرته وصلته بأقربائه فحسبه في ذلك الضوابط الإسلامية، وإن كان في مأزق اقتصادي عسِر فله علاجٌ ناجِع في القرآنِ الكريم والسنةِ النبوية المطهرة، وفي تفسيرِهما وبيانهما المتميز في اجتهادات السلف الصالح، وهي كذلك دواء لكلِّ داء…
أجل، إن الإسلام دواء لكل داء، إنه دواء لكل شيء بدءًا من المسائل المتعلقة بالحقائق اللاهوتية وتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد العبودية، وصولًا إلى علاقاتنا الأسرية وعلاقتنا الاجتماعية إنه دواء ناجع، ليس وراءه حاجةٌ لأي شيء آخر.
إن الإسلام -رغم أنه ظهر في جزيرة العرب- سرعان ما انتشر في كلٍّ من بخارى وسِندآباد والصين وبرج هرقل والهند وأفريقيا، وامتد حتى مشارف بيزنطة، واستُحسِن وكُتب له القبول، إنه لا يمكن بيان هذا وتفسيره إلا بعالميّة رسائله. تأملوا، لقد دخل الإسلامُ بصوت مرشديه ونفحاتهم لا بإكراه سيوفهم أماكنَ كانت منبتًا لمئات النظريات العقائدية؛ فكما اطمأن بالإسلام الأتراكُ المفعمون بالحركة والنشاط، كذلك بعض الأمم المهيّأة للموت قبل الموت دخلت الإسلام فأحست بالوجود الحقيقي.
فإذا كان ذانك الطابعان المختلفان عن بعضهما اختلافًا جذريًّا قد اتَّحدا في القاسمِ المشتركِ الإسلامِ؛ فلا بدّ من البحث عن هذا الاتحاد في القواعد التي تقوم عليها عالمية الإسلام.
والعالم الغربي الذي اكتشف هذه الميزة يسعى منذ عصور كما يفعل الآن بكل ما أوتي من قوة ليمنع هذا التقدم عنادًا ليس إلا، والحقيقة أن أوروبا عندما كانت غارقة في ظلمات القرون الوسطى كان الإسلام في عِزِّ نهضته الحديثة في آسيا، ولو أن الكنيسة لم تتعصب ولم تلجأ في سبيل مواجهة الإسلام إلى الفلسفة اليونانية القديمة، ولم تنظر إليه بأحكام مُسبقة -كما أشار أحد المفكرين-؛ لما عاش العالم ما يعيشه اليوم من ظلمات حالكة، ولكنها توجهت إلى مفاهيم عصر الوثنية ولجأت إليها، ولا تزال تواصل تزمّتها ذلك إلى الآن.
أجل، لا بد من البحث عن عالمية الإسلام في الأسس والمبادئ التي جاء بها للإنسانية: ماذا وعد المرأة والرجل والطفل؟ وما النظام الذي أقامه لمواجهة الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية؟ وكيف حلَّ المشكلات البشرية، وقاومَ الرذائل التي كانت مستشريةً في المجتمع؟ وبم أوصى لتحقيق التوازن الدولي؟ وهكذا… أجل، إنكم حين تضطلعون بدراسة كل هذه الأمور سترون أن للإسلام هوية شموليّة تفوق كل الأنظمة، وترون أنه الدواء الناجع لكل داء، وعندئذٍ تقولون: “إن الإسلام دين عالميّ حقًّا”.
وثمة أمرٌ لا ينبغي تجاوزه دون بيان، فهذا موضعه: إنّ من الخطإ تقديم عالمية الإسلام من خلال القرآن فقط، وأرى وجوب البحث عنها أيضًا في السنة الصحيحة، واجتهادات الخلفاء الراشدين، وآراء السلف الصالح ودراستها في ضوء ذلك.
نعم، إننا آمنّا دائمًا بكفاءة الإسلام وكفايته. أجل، إنه رغم كل الأيديولوجيات التي تواجهنا لم نرْتَبْ في كفاءة القرآن والسنة قطّ، بل على العكس من ذلك حملنا في قلوبنا إيمانًا بأن كل هذه الأيديولوجيات لا طاقة لها بمواجهة الإسلام، حتى إننا نؤمن إيمانًا تامًّا بأن من يرزحون تحت أغلال الشيوعية سيستيقظون يومًا ما على هذه الحقيقة… وحسبنا أن تتاح لنا الفرصة لتبليغ الإسلام وتمثيله.
إننا لا نخافُ من أيّ شيء ألبتة، لأننا نعلم أنَّ الإسلام دين عالميّ برسائلِهِ التي حملها، وفعالياته في كل ساحة تمسّ حياتنا وتعنينا شخصيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وصناعيًّا وأُسرِيًّا وعسكريًّا ودوليًّا… إلخ؛ ونؤكّد هذا، ونؤمن به، أَلَيْسَ في بقاء الإسلام بأسسه المتجدِّدة دائمًا رغم جفاء أعدائه وغدر أصدقائه منذ أربعة عشر قرنًا دليلٌ على عالميته؟
[1] صحيح البخاري، التيمم، 1، الصلاة 56؛ صحيح مسلم، المساجد، 3، 5.