هذا بالإضافة إلى أننا نشاهد في ظهور جميع الأشياء في الكون سواءً في عالم الأحياء أو في عالم الجماد شعوراً وعلماً وترجيحاً، أي إرادة. وبينما نرى عبيد الطبيعة والعلماء الماديين يعزون هذا الوجود إلى الظهور التلقائي أو إلى المصادفات العمياء نراهم من جهة أخرى يؤمنون بالقوانين. بينما تقوم القوانين بردّ الظهور التلقائي وردّ المصادفة. إذن فالوجود لابد أن يكون أثراً لصاحب علم. ولا تملك المادة الخالية من الحياة ومن الشعور قوانين شاملة للكون وشاملة للحياة وللشعور. إن وجود القوانين يقتضي وجود واضع لهذه القوانين. إن عدّ القوانين -دون أخذ واضع هذه القوانين بنظر الاعتبار- أساساً للوجود يشبه المثال الآتي الذي ضربه أحد المفكرين المرموقين:
“دخل رجل أحمق إلى قصر كبير، فرأى أن هذا القصر المنيف قد زين وأثث بأفخم أثاث وأجمله، فهناك الطنف والمناضد والكراسي والفرش والمزهريات والورود واللوحات الفنية والمدافئ، وما يحتاجه المطبخ من أشياء وأغراض… والخلاصة وجد كل شيء في مكانه الصحيح. وبينما كان هذا الرجل الأحمق يتجول في أرجاء القصر ويفكر بمن قام بكل هذا التأثيث والتزيين، ولكنه لم يجد أحداً، وإذا به يرى كتاباً فوق منضدة. كان الكتاب يحتوي على برنامج تأثيث القصر. قال الأحمق: لقد وجدت ما كنت أبحث عنه… هذا الكتاب هو الذي قام بتأثيث هذا القصر.”
وهل هناك من أحد لا يطلق صفة الجنون على شخص يسند تأثيث قصر من القصور إلى كتاب تعريف بالأثاث، أو يسند صنع أي ماكنة أو جهاز إلى نشرة تعريف الجهاز أو الماكنة؟
وبينما هذه هي الحقيقة بأوضح شكل، فإنني لا أفهم على الإطلاق كيف يمكن لشخص تخصص بعد التخرج من الجامعة في الفيزياء أو في البيولوجيا (علم الأحياء) أو في الكيمياء، أو في الكيمياء الحيوية وأصبح استاذاً أن يسند هذا الكون الرائع وما يحتويه من زينة، وما يبدو فيه من تصميم دقيق، ووجود كل شيء في المكان والموقع الصحيح، وما يحتويه من تناسق وتناغم أصيل لا يفسد ولا يهتز ولا يحتاج لأي تعمير أو اصلاح… أن يسند كل هذه الروعة إلى المادة الخالية من الحياة ومن العلم ومن الشعور والإرادة، أو إلى بعض المفاهيم التي يطلق عليها اسم القوانين التي تم اكتشافها عند دراسة هذا الوجود وكيفية ظهوره وكيفية عمله. أو أن يسنده إلى المصادفات التي هي مفهوم مجرد، أو يعزوه إلى الظهور التلقائي.