يزعم التطوريون أن الأحياء التي ظهرت إلى الوجود تلقائياً أو عن طريق المصادفات تستطيع تأمين الطاقة التي تحتاج إليها لإدامة حياتها من الشمس أو من التفاعلات الكيمائية. ثم إن الأميبيا كما تستطيع التغذي من بيئتها، تستطيع كذلك صنع غذائها بنفسها. ويحاول التطوريون تقوية زعمهم هذا بفرضية “الأوتوروف” أي التغذي الذاتي، أو “الهيتوتروف” أي التغذي من البيئة الخارجية. أما فرضية التغذي الذاتي فلم تلق قبولاً في أيامنا الحالية. والتفاعلات الكيمياوية التي تنتج الغذاء “كالتمثيل الضوئي” أمر معقد غاية التعقيد. وعندما ندقق التفاعلات المعقدة التي تقوم بها النباتات الخضراء التي تملك قابلية التمثيل الضوئي، وكذلك الانـزيمات التي تلعب دوراً مهماً في هذه التفاعلات، نعرف من يحتاج لمن، وإلى أين يجب أن يسير كل شيء من هذه الأشياء. أي ندرك أن كل شيء يسير وفق منهج دقيق ومتكامل.
لقد وقع التطوريون في ورطة كبيرة عندما ادّعوا بأن مثل هذا النظام الدقيق والرائع ظهر فجأة إلى الوجود عند بداية ظهور الحياة على وجه الأرض، لأن مثل هذا الادّعاء يناقض ادّعاء التطور. لأن مثل هذه التفاعلات المعقدة والمتشابكة لا يمكن أن تصدر إلا من قبل آلية معقدة. ومن المفروض أن تظهر هذه الآلية الدقيقة والمعقدة في الظروف الأولية لظهور الحياة لكي يحصل الكائن الحي على الغذاء الضروري له، بينما يتناقض هذا تماماً مع أساس الداروينية. لأن الظهور الفجائي لآلية معقدة جداً مستحيل. لأن التكامل أيْ النظرية التطورية تقضي بظهور هذه الآلية بشكل تدريجي وبطيء. والأبحاث التي أجريت أبانت -دع عنك ظهور النباتات المالكة لآلية معقدة مثل التمثيل الضوئي- بأن مئات الآلاف من أنواع الحيوانات الموجودة حالياً كانت موجودة في أكثر العهود قدماً التي استطاعت هذه الأبحاث التوغل فيها، ولم يشاهد فيها أي حادثة تطورية. أي أن التطور يحتاج إلى زمن طويل لا نستطيع تصور طوله. لذا لم يكن عمر الأرض كافياً لظهور الحيوانات والنباتات وتطورهما حتى الوصول إلى ظهور الآلية التي تقوم بصنع الغذاء بنفسها.
أما حسب فرضية “هتروتروف” فإن الغذاء غير جاهز للكائن الحي، ولا يستطيع الكائن الحي صنعه بنفسه، بل يأخذه من الخارج. بينما يحتاج هذا أيضاً -مثله في هذا مثل الأوتوروف- إلى آلية تستطيع إنتاج تفاعلات معقدة. لأن الغذاء الذي سيأخذه أيّ حي من الأحياء يجب أن يكون مادة عضوية صنعت من قبل حي آخر. لذا كان كل حي -ولنقل الحي الأوّل الذي ظهر على وجه الأرض- يحتاج إلى وجود حي آخر قبله. وهذا يؤدي إلى تسلسل، أي إلى سلسلة متراجعة إلى الخلف على الدوام مما يقتضي أزلية الأحياء. وهذا أمر باطل ومستحيل.