Reader Mode

كان موضوعنُا الرئيس في الفصل السابق يدور حول تحديث الطفل عن الأمور العقائدية والعملية بما يتوافق مع مراحله العمرية، وذكرنا أنّ إحراز أي نتيجةٍ إيجابيةٍ في هذا الأمر يتوقّف على مدى جدّية ما يبديه الأبوان أو المربّون من تصرفاتٍ وأفعالٍ وتطبيقٍ للأقوال.

أجل، لو كانت الأقوال ترجمانًا للأفعال وللعالم الداخلي للإنسان فإن كلّ ما نشعرُ به ونفكّر فيه ونعمل على إيصاله للآخرين سيجد -حتمًا- صدى كبيرًا له في قلب المخاطب، أما إذا لم تتطابق أقوالُنا مع أفعالنا ولم تؤيِّدها؛ وانعدم اليقينُ والإذعان والاعتقاد في القلوب؛ فبدهيّ أن هذه الأقوال لن تجدَ لها التأثير المرجوّ لدى المخاطبين.

وبناءً عليه: فإن تولّيتم وظيفةً في مؤسّسةٍ تعليميّة صغيرةٍ أو كبيرةٍ أو في وحدةٍ أُنيط بكم إدارتُها فلا بدّ أن تعلموا أنكم أنتم منبعُ النظام والانتظام، فإن انحرفتم تبدّى على الفور كلُّ ما في الهيئة من انحرافات وزلل، ولكن إن سلكتم طريق الاستقامة ما وجد الانحرافُ طريقَه إلى النظام أو الجماعة التابعة لكم، وإن حدث فهو ضئيل.

1- كيفية التطبيق

إنّ تحقيق التأثير المطلوب والوصولَ إلى الثمرة المرجوّة من كلامنا وأقوالنا مرهونٌ بمراعاة الدقّة والحساسيّة في التصرّفات والأفعال، فمثلًا: إن كلّ ما نُبديه من احترامٍ بالغٍ وأدبٍ جمٍّ لمولانا تبارك وتعالى في الصلاة يعكس حالة مثولنا بين يدي الله، ومن ثمّ فإن الركوع والسجود والقيام في هذا الجوّ هو أجدى نفعًا في ذهن الطفل من قراءة كتابٍ كاملٍ يتحدّث عن هذه الأمور، وقد يكون هذا الفعلُ أبلغَ ردٍّ على سؤال الطفل: كيف ينبغي أن نوقّر ربّنا ونعظّمه؟ أما إذا كنّا ننقرُ الصلاةَ كنقرِ الديك كما جاء في حديث شريف[1]، فإن تقبّل الطفل لمسألة الصلاة منكم سيكون على حسب الحالة التي تكونون عليها في أثناء الصلاة، ويجب أن نعلم أن صلاةً خالية من الاطمئنان كهذه ليس من شأنها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر أو تحضَّ الأولاد على تعظيم الله تعالى أو تتركَ أثرًا إيجابيًّا في أرواحهم.

أجل، الخشوع في الصلاة أمرٌ مهمّ للغاية، وإن ذِلّة الإنسان وخضوعه أمام ربّه ومثولَه بين يديه في خشوع ٍوخضوعٍ وأدبٍ يترك تأثيرًا كبيرًا في أولئك الراصدين الأبرياء.

وكما أنّ علينا أن نكون قدوة في الأمور الإيجابية فكذلك لا بدّ وأن نراعي الدقّة والحذر في الأمور السلبيّة، فقد تداهم الأطفالَ فيروساتٌ من الشبهات والشكوك تصيبهم ممّن حولهم في الشارع أو المدرسة، فلا بدّ من إزالة هذه الشبهات والشكوك من أذهانهم دون تضييعٍ للوقت، فمثلًا: علينا ألا نغضّ الطرف عن الكتب التي يقرؤها الطفل وإن كانت روايةً، فإن توفّر في بطون هذه الكتب ما يمسُّ عقيدَتَنا ودينَنا ولم نقمْ بفعل اللازم تجاه ذلك؛ فستأخذُ الشبهات والشكوك تُراودُ ذهنَه دون وعيٍ منه، وعلى ذلك: يجب ألا نكتفي بملاحظة أحوال الطفل في البيت، بل ينبغي أن نراقب جوّه العام، وخاصّةً فيما يتعلّق بتطوّره الفكريّ وبنيته الشعوريّة والفكريّة، فإنَّ اختيارَ الكتب التي يقرؤها الطفل وتحديدَها مسبقًا هو مسألةٌ ضروريّةٌ بالنسبة لمَن ينشد أن يُصبح ابنه رجلًا ذا غايةٍ وهدفٍ.

أجل، إن مما لا سبيل إلى إغفاله في مسألة التربية بعد فترةٍ معيّنة؛ معرفةَ ما يتعاطف الطفل معه وما يستاء منه، والتطلّع إلى ما يسمعه وينصت إليه، والتعرّف على أصدقائه بل وتحديدهم، فضلًا عن معالجة كلِّ مسألةٍ تتعلق به على حِدةٍ كالطبيب الذي يعالج مريضَه.

أ. الطالب والمعلّم والأبوان

من أهم مشاكل اليوم الاختلاف الثقافي الواقع بين الآباء والأولاد، أو بعبارة أخرى: بين الجيل القديم والجيل الحديث، وإن هذا الاختلاف الثقافي وما ينجم عنه من نتائج سلبية يجب تدارُكُها بأخذ التدبيرات التربوية اللازمة، ويمتدّ زمن الأخذ بهذه التدابير حتى سنّ الرشد، فإن تأخّرنا عن ذلك لن يكون لِما نقوم به أيّ تأثير، فمثلًا قد يدرس أبناء الأبوين الأمّيّين في الجامعة، ولا يعجب بعضَهم ما يقوله آباؤهم وأمهاتهم ولا يأبهون له؛ لأنهم يعتبرون أنفسَهم أعلى مقامًا منهم، حتى إن هناك الكثير من المتديّنين يدرس أبناؤهم في التعليم الأساسي أو في الثانوية فيتبنون بعض الأفكار الهدّامة، ويدعون إلى الفسق والفجور، ويتمرّدون على دولتهم وحكومتهم وأمتهم وإدارة مدرستهم، ويشاركون في الحركات الطلابية المهيّأة لأيّ استفزازاتٍ من الداخل والخارج، وفي حركات التمرد المختلفة التي تنادي بـ”المقاطعة”، وهم بذلك يلهثون وراء خيالٍ تدفعهم إليه رغباتهم.

وعند تحليل أسباب هذه الحركات الطلابيّة في الماضي والحاضر وكيف وصلت إلى هذه المرحلة؛ سيتبيّن لنا أن أعظم أخطائنا هو أننا لم نتتبّع تحرّكات أبنائنا ولم نتعهّدهم بالتربية اللازمة، وعلى ذلك فإن التأوّه والأنين على النتائج السلبية التي حصدناها بسبب عيوبنا وأخطائنا والتحسّرَ على ما فات هو أمرٌ لا فائدةَ منه، بل إن عذاب الضمير الذي نشعر به في قرارة أنفسِنا إنما هو همٌّ لا يجدي فتيلًا.

ويحكي القرآن الكريم عن الذين ضُلّلوا، والذين أُهْمِلَتْ تربيتُهم، والذين يُقلّدون غيرهم قائلًا: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ﴾ (سُورَةُ الأَحْزَابِ: 33/67).

إنه بيانٌ قرآنيٌّ مروّعٌ يستدعي تأوّه القلوب وأنينها؛ إذ إنه يحمل عتابًا صريحًا ولاذعًا من الأجيال المسكينة التي لا نصيبَ لها من العبادة والطاعة إلى الآباء والأمهات والأعمام والأخوال والأقرباء والمشايخ والمرشدين والمعلّمين في المدرسة.

أجل، إنّ هذا البيان القرآني يتضمّن عتابًا ولومًا ودعاءً بالشرّ من قِبل الذين خُتم لهم بخاتمة السوء على من كانوا مسؤولين عنهم؛ وكأنهم يقولون: “اللهمّ إنّ هؤلاء أضلّونا، وأغوونا، ولم يعتنوا بنا، اللهم زِدهم ضعفًا من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا، واطردْهم من حضرتك الإلهيّة”.

ومن ثمّ فإنّ أيّ تصرّفٍ إيجابيّ يقوم به مَن أُنيطت بهم مسؤوليّة التربية والتعليم يكون سببًا في سعادتهم وسعادة أولادهم في الدنيا والآخرة، والعكس صحيحٌ، فإن أيّ إهمالٍ أو تصرّفٍ خاطئٍ من هؤلاء الذين أُنيط بهم تحمّل المسؤولية يؤدّي إلى كارثةٍ عظيمةٍ في الدنيا والآخرة، ليس لهم فحسب، بل لمَن تمّ إهمالهم أيضًا.

ب. صيحة الذين ضُلِّلُوا

إنكم إن أفسحتم المجال لانشغال الطفل بأمورٍ لا تعود بالنفع على حياته المادّيّة والمعنويّة والأخرويّة والدنيويّة ينجم عنه بدايةُ مرحلةٍ جديدةٍ من الصياح والجدال والعتاب والتماس المعاذير، على نحو قوله تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ ِلأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاَءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ $ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ (سُورَةُ الأَعْرَافِ: 7/38-39).

أجل، يمكننا أن نقول وفقًا للبيان القرآنيّ السابق: إن أبناءكم الذين احتضنتموهم وربّيتموهم وظننتم أنكم قد أحسنتم تربيتهم سيصبّون اللعنات صبًّا على كبارهم الذين أضلّوهم، من أجل ذلك لا بدّ أن يخشى من يُؤمن بالآخرة -ولو بقدرٍ ما- من مثل هذه اللعنات التي يمكن أن تُصبّ عليه في الآخرة، وترتجفَ أوصاله من ذلك ويستعين بالله ويلجأ إليه، أما سبيل الخلاص من هذا الوعيد وذلك اللوم فهو أن نكون قدوةً حسنة لمَن يحدِّدون أحوالهم وأوضاعهم وفقًا لأوضاعنا وسلوكيّاتنا الفكرية، يجب أن نكون قدوةً حسنةً في كلّ أمر؛ بدايةً من حبّ الله ورسوله وتوقيرِهما حتى الانضباط الخُلُقي.

إن البيت المملوء بحبّ الله ورسوله تكون درجةُ تعلّقِ الطفل بربّه فيه على حسب ما يقرؤه ويراه ويسمعه في هذا البيت عنهما، ونستطيع أن نعتبر هذا مقياسًا، ونقول: إننا نستطيع قياس نسبة ذكر الله في أيّ بيتٍ اعتمادًا على انفعالات الطفل، ويمكننا أن نشعر بعمق هذا الأمر في خَلَجَانِ الطفل ومشاعره، ويمكن في ضوء ذلك أيضًا أن نعرف قدر اجتناب المنكر والإتيان بالمعروف.

أجل، إن الطفل بمثابة شاشة يشاهَد منها ما يدور في البيت، وسمّاعة للأصوات التي تدور داخل البيت، ومن خلال هذه الشاشة أو السماعة يمكننا مشاهدة أكثر المواضع خصوصيةً في البيت، والتعرّف على أخفى همساتِه.

ج. سبيل الجنة والنار

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ”[2]، أي لا يدخل الجنةَ مَن لم يستطع أن يتجاوز عقبات المكاره أي أن يتحمّل عبءَ العبادة والطاعة، ويقمع شهواته ونزواته، ولم يتخلّص من الخضوع لأيّ غوايةٍ والتسليم لأي منكرٍ يستوجب اللعن، بل يقترب من النار شيئًا فشيئًا، إذًا هناك وجهتان للسبيلِ الذي أمامنا، وللهدف الذي سنصل إليه، فلا بدّ أن ننتهي وننْهَى عن كل نَهي، ونأتي بكلّ ما أمرنا الله به بحذرٍ تام ودون تغييرٍ، ونحملُ أبناءنا على الإتيان به؛ حتى نظلّ صامدين بفضل الله، فلا ننجرّ وراء شهوات النفس أو نتعلّقَ بما لا تطيقه النفس.

نحن ثمرة أعمال السابقين، والأجيالُ القادمة ستكون ثمرة أعمالنا، فبدلًا من أن نشكو الزمانَ والعصرَ الذي نعيش فيه علينا أن ننظر إلى ما أُهْمِلنا فيه فنستدرك ذلك في أولادنا ونحاول أن نرى ما الذي سينجم عنه إهمالُنا في المستقبل، حتى نشعر بعمليّة انبعاثٍ قلبيّة وروحيّة وشعوريّة في وظيفتنا ومسؤوليّتنا، ومثل هذا الانبعاث سيكون انبعاثًا لنا ولتاريخنا وللأجيال القادمة بعدنا.

2- معنى القراءة

من أهم المسائل التي لا بدّ أن نعرّفها للطفل مسألة القراءة والكتابة، فعلى الطفل أن يتعلّم القراءة والكتابة التي توصّله إلى هدفٍ وغايةٍ معيّنةٍ، وينسلخ من التبعيّة ويرتقي إلى المتبوعيّة أي من كونه يسوقه الآخرون ويوجِّهونه إلى أن يكون هو يسوق الآخرين ويوجِّههم، ولكن عليه أن يدرك ما الذي تعنيه القراءة والكتابة، يقول الشاعر الصوفي “يونس أمره”:

الـــــعِـــــلـــم هـــــو أن تــــعـــــرف            أن تـــــعــــــرِف نــــــــــفـــــــسَــــــك

 فــــــــإن أنـــــــت لا تـــعــرفــــهـــــــا            فـــــــالـعـــفاء علـــــى ما قـــرأت

علينا قبل الشروع في تناول هذا الموضوع أن نحاول إيجاد جوابٍ لهذه الأسئلة: ما العلم؟ وما هدفه؟ ولماذا نقرأ الكتب؟ وما الغاية المنشودة من وراء قراءتها وفهمها؟ غير أنني أرى ضرورةَ التأكيد على ما يلي قبل الجواب على هذه الأسئلة:

فلو أن إنسانًا تعلّم طوال حياته الأصول والقواعد المعقّدة المتشابكة لعلم الحساب ولكن لم يستطع تطبيقها في حياته، أو أنه لم يفكّر في تطوير علمه بالنظريات والفرضيّات الجديدة فهذا يعني أنه لم يبلغ الغاية من العلم، وكذلك مَن تعلّم القواعد الرئيسة لعلم الطبّ ولكنّه لم يمارسها، فلم يقس نبضَ مريضٍ، ولم يسمع نبضاتِ قلبه ولم يُصغِ إلى كبده، فهذا يعني أنه ما انتفع بالعلم الذي حصّله في مجال الطب، فضلًا عن ذلك فثمّة شكٌ في احتفاظ ذاكرته بما تعلّمه؛ لأن الأصل في تحصيل العلم هو -كما قال يونس أمره- معرفة الإنسان نفسَه، وبدهيّ أن العلم الذي لا نعرف من خلاله أنفسنا لن يفيدنا نحن ولا غيرنا.

أ. القراءة والكتابة

من المسلّم به أن القرآن الكريم يتصدّر مسألة القراءة والكتابة، ونحن نؤكّد هنا على أننا لا نقرّ حشوَ ذاكرة الطفل بالحفظ بعيدًا عن المقاصد الشرعيّة بل يجب علينا أن نأخذ بيده ونغذّي روحه بالقرآن حتى يسعى وحده في المستقبل إلى فهم مقاصد ربّه سبحانه وتعالى، إننا نتوهّم -مع الأسف- أننا بإمكاننا حلّ جميع المشاكل بإلزام الطفل بقول “بسم الله”، والواقع أن “بسم الله” كلمةٌ مهمّة للغاية، وتُحلّ بها المشاكل، غير أن هناك مسألة أهمّ تقف وراء هذا وهي تعليمُ الطفل وإرشاده إلى المقاصد الشرعيّة والإلهية وإن كان إجمالًا، وإنني أرى بقناعتي القاصرة أن هذه مسألة لا بدّ من تعلّمها وتعليمها.

لقد عاش تاريخُنا المنصرم عهودًا مجيدةً في غاية الزهوِ والسؤدُد، إلا أنّ بعضَ حُقُوبِهِ الزمنيّة كانت على النقيض من ذلك، حيثُ اعتلى المناصبَ العِلميّة والإداريّة والشرعيّة في جميع الأقطار الإسلاميّة آنذاك حكّامٌ ووُلاةٌ وقُضاةٌ يحفظون القرآن الكريمَ والعلوم الأخرى حِفظًا حروفيًّا دون فهمٍ واستيعابٍ لجوهر العلوم التي تعلّموها، ممّا جعلَهم مقلّدين عميانًا في الأوامر التكوينيّة والمسائل الشرعيّة، إذ لم تكن لهم أيّ قدرةٍ على الاستنباط والإبداع، ولم يتّخذوا أيّ موقفٍ حيال ما عاصروه من محرّمات وممنوعاتٍ دينيّة، وبالطبع فإنّهم فشِلوا في المحافظةِ على الشرف والكرامة والأمانة التي حمّلها لهم الإسلام،

 وقد يبعث هذا الأمر رجفةً في أفئدتنا، ولكنني أقول -بكل أسفٍ- إن هؤلاء قد تلاعبوا بشرف وكرامة ودين الأمم السابقة واللاحقة؛ فما حصّلوه من العلوم لم يترسخ في قلوبهم ولم تذعن له أفئدتهم، يقول الله تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (سُورَةُ الأَعْرَافِ: 7/178).

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن ممَّا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلًا قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: “بَلْ الرَّامِي”، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ: الْمَرْمِيُّ أَوِ الرَّامِي؟ قَالَ: “بَلِ الرَّامِي”[3].

وإننا اليوم لنرى الكثير ممّن يتسنّمون المناصب الرفيعة يجهلون معرفة الله تعالى ورسوله، ويعيشون في جهلٍ مُطبِق، لا يتأمّلون في آلاف الآيات والدلائل التي تعجّ في الكون، ولا قدرة لهم على التأليف والتوفيق بينها، فهم صمٌّ عميٌ عن الحوادث والموجودات، وإنّهم بذلك -أيًّا كانت أسماؤهم وألقابهم- في جهلٍ مطبِق وفقرٍ فكريٍّ مدقعٍ؛ لأن العلم في رأينا هو المعرفةُ التي تُضيء مشاعر الإنسان وعقله وعالمه الفكري، وأما غيرُ ذلك فهو عبارة عن حشوٍ في الذاكرة وحمل أسفارٍ ضارّة غير نافعة.

لقد تجلّت أولُ رسالة في القرآن الكريم على هيئة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (سُورَةُ العَلَقِ: 96/1)، وكان أول خطابٍ للرسول صلى الله عليه وسلم هو: “اقْرَأْ”، لم يقل القرآن الكريم: “اقرأ القرآن”، ولم يقل: “اقرؤوا القرآن المنزّل إليكم”، ولكن القرآن أوضح معنى أمر “اقرأ” بنفسه فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، وهو بهذا يلفت الأنظار إلى حادثة الخلقِ وما فيها، وعلاوةً على أن الآية تأمر بقراءة القرآن الكريم فهي تُوجّه إلى قراءة ما هو مسطورٌ في صفحات الآيات التكوينيّة؛ ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ $ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ (سُورَةُ العَلَقِ: 96/3-4).

وكما رأينا جاء ذِكر عنصرَي القراءة والكتابة تباعًا، فعلى الإنسان أن يقرأ ويكتب، ولكن عليه أن يقرأ ما يُعينه على إدراك الآيات التكوينيّة والتعرّف على عالمه الداخلي وفهم لبّ الألفاظ القرآنية، فينظر تارةً إلى وظائف أعضائه وتارةً إلى تركيب جسمه وتارةً أخرى إلى صفحة الكون، ويبدأ في مشاركة الدرس الذي تلقّاه والمعرفة التي حصّلها مع أُسْرَتِهِ ثم يتوسّع بعد ذلك إلى الآخرين.

أجل، يُفهم من السياق هنا أن الأمر “اقرأ” ليس المقصود به مجرّد القراءة لألفاظ القرآن الكريم، وإنما قراءة الأوامر الإلهيّة، والآيات التكوينيّة، والقوانين الكونية، ومن ثمّ فعلينا أن نقرأ باسم الله ونتدبّر بإمعانٍ في خلقتنا وفي الكون وفي كتاب الله، والقرآن الكريم هنا يلفت انتباهنا إلى مسألة الخلق بدايةً وكأنه يسأل: كيف خُلقتم؟ وعقب هذا مباشرة يوجِّه عقولنا إلى أسرار الخلقة فيبيّن في موضعٍ أننا خُلقنا من عَلَق، وفي موضع آخر أنّنا خُلقنا من ماء.

وثمّة درسٌ يلقّنه الله للإنسان من خلال أمره بقراءة كتاب الكون مع القرآن، وهو أنّ أيَّ طالب مبتدئٍ يستطيع أن ينهل من هذا المنهل العذب مثل أيّ مفكّرٍ عظيمٍ، تمامًا كما كان الحال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلقد كان الجميع -الأمّيون والعلماء والمدقّقون- يجلسون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فينهلُ منه الجميعُ رغم اختلاف مستويات بعضهم عن بعض، ويأخذ كلّ واحدٍ منهم نصيبَه مما يسمع على حسب أُفُقِ إدراكه.

وفي تعبير القرآن عن الكتابة بالقلم بعضُ الإشارات، فالقرآن بقوله: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (سُورَةُ القَلَمِ: 68/1) يؤكد على أهمية القلم، نحن لا نعرف معنى حرف “ن” معرفة تامةً، إلا أن بعض المفسِّرين يفسِّرونها بمعنى الحوت، وهناك من المفسرين مَن يقول بأنه المحبرة، لكن لندع المفسرين وتفسيراتهم ونقول: إن استهلالَ السورةِ بـ”نون” والقسمِ بـ”القلم” لَيوضّح مدى أهمّيّة القلم وعظمته عند الله تعالى، ولكنّ هذا القلم هل هو قلم الكرام الكاتبين الذين يكتبون ويسجلون صحائف أعمالنا وسيرة حياتنا؟ أم أنّه قلم ساكني الملإ الأعلى الذين يُسجّلون ويقيدون الأقدار، أم أنه هو القلم الذي سجّل أقدارنا أزلًا، أم أنّه هو ذلك القلم الذي نستخدمه في المدرسة أو في مجالات أخرى؟… كلّ هذا ليس مناط اختلاف، وإنّما مناطُ الاختلاف محصورٌ فيمن يستخدم هذا القلم، وعلى كلّ حالٍ فإن قَسَمَ الله تعالى بالقلم يتضمّن كلّ ما ذكرناه.

ب. العلم يُفضي إلى خشية الله

 وفي آيةٍ أخرى يقول الحقّ تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (سُورَةُ فَاطِر: 35/28).

أجل، إن العلماء هم أشدّ الناس خشيةً لله تعالى؛ لأن شعورَ التوقير للذات الإلهيّة يعتمد على العلم والمعرفة، وبدهيّ أنّ مَن لا يعرف الله ولا يقف على الأسرار الإلهيّة ليس له نصيبٌ من هذه الخشية والتوقير.

وانطلاقًا من هذه النقطة نقول: إن الخطوة الأخرى التي يجب علينا القيام بها لتنشئة أبنائنا تنشئةً صحيحةً من حيث بنيتهم الداخلية والخارجيّة هي أن نرسِّخ لديهم العقيدة السليمة، فيجب أن نُطلِعَ الأطفال على ما قرأناه واطّلعنا عليه وشاهدناه من أدلةٍ تدور حول وجوبِ وجودِ واجبِ الوجود سبحانه وتعالى بما يتوافق مع مستوياتهم وثقافاتهم، وقد تنجح أدلة في إزالة الشبهات من أذهانكم، ولكنها قد لا تكون كافيةً ومتناسبةً مع عمر الطفل ومستواه ووضعه الثقافي، وهذا يستدعي إعادة تأهيل الطفل بشكلٍ أكثر دراية وتخصّصًا.

ثمّة أمرٌ آخر وهو: تغذية القلوب بمحبة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام، وإشباعها بالحديث عن حياته المباركة، وفي هذا الصدد يمكن الرجوع إلى بعض المسائل من نوعيّة ما يتناوله كتابُ “النور الخالد”[4].

ج. إزالة الشبهات

يرِد علينا العديدُ من الأسئلة؛ منها: “الله هو مَن خلق الكون، فمَن خلق الله؟” حاشا لله.

والحق أن كثرة هذه الأسئلة مؤشِّرٌ إلى ضعف وقلّة أزوِدَةِ الطفل بالأفكار السليمة المستقيمة عن ربّه جلّ جلاله، كما أنّ الدافع الرئيس من وراء طرح سؤالٍ مثل: لماذا تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بالعديد من الزوجات؟ يرجع إلى أن الطفل ليس لديه فكرة سليمة ومعرفة تامة بنبيّه صلى الله عليه وسلم.

وكذا إن جاء شخص وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتّصف بذكاء مذهل، وما أحدثه من إجراءات عظيمة وراءها ذكاؤُه الفذّ ودهاؤه النادر، فهذا يعني أن ذلك الشخص يعاني من خواء شديد من حيث معرفة الحقائق الدينية، إذ إنه لا يعرف معنى النبوّة.

غير أن التدخّل الخاطئ في هذا الأمر -رغم فداحة الجروح وعظمتها- ربما يُعقّد المسألة أكثر، فنحن مضطرّون بدايةً إلى توطيد البنية الفكريّة والروحيّة لدى الطفل، وترسيخ عقيدته بالله سبحانه وتعالى، فلا بد من رعاية عمره حتى يقتنع بما نحدّثه به، فمثلًا لو عرضنا عليه هذه النظريّة المنطقيّة وقلنا: “لا إبرة بلا صانع، ومن المستحيل أن نعتقد أن إبرة بسيطة قد تشكلت بنفسها دون صانِع، فلا شك أن لهذه الموجودات خالقٌ وهو الله سبحانه وتعالى، فمثلُ هذه النظرية قد يكون جوابًا شافيًا على شبهات الطفل في هذه السنّ، وإنكم إن بادرتم بإعطاء هذه الوصفة العلاجية وأسعفتم هذا الطفل المتردّد في حينه لأَزَلْتُم كلّ الشبهات والشكوك التي تساوره دون أن تُفسحوا مجالًا لتفشيها وتطوّرها.

وعن أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى فقال لهم: دعوني فإني مفكّر في أمرٍ قد أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينةً في البحر موقرة (أي: محملة) فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلّص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد، فقالوا: هذا شيءٌ لا يقوله عاقل، فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع؟!! فبُهِتَ القوم ورجعوا إلى الحقّ وأسلموا على يديه[5].

هذا خطابٌ يليق بمستوى المخاطب، وهذا الأسلوب مهما كان قدر منطقيته ومعقوليته بسيطًا فهو كافٍ بالنسبة لأشخاصٍ في مستوى معين، ويمكن التأكيد على سلامة هذه الأسس أيضًا لدى مَن هم في مراحل عمريّة متقدّمة بالوقوف على الموضوعات ذات الأبعاد الفكرية العميقة، ولنضرب لهم أمثلةً على ذلك بالكون والإنسان وبنيَتِهِ الداخلية والخارجيّة، فلقد خلق الله تعالى عقل الإنسان وعينه وآليّاته الداخلية وخلاياه وتركيبه الداخلي وفسيولوجيّته بشكلٍ تَحارُ له العقول والألباب، وأظنّ أن تناول كلّ موضوع من هذه الموضوعات على حدة شرحًا وإيضاحًا في إطار الأسس العلمية كافٍ تمامًا لمن هم في مستويات وأعمار مختلفة.

كما يمكننا تحديثُ مخاطبٍ آخر عن الهواء والماء والضياء ومختلف الفيتامينات والبروتينات والكربوهيدرات أو ماهيّة الكائنات المجهرية، ربما تختلف طريقة العرض على حسب ما يُطرح من مواضيع، إلا أنّ مادة الدرس والبرنامج تبقى كما هي من حيث بنيتها الأساسية.

وما أجمل أسلوب الأستاذ بديع الزمان سعيد النُّورْسِي رحمه الله رحمة واسعة عندما يتحدّث عن الله تعالى:

“إنك بلا شكّ تعلم أنه لا قرية بلا مختار، ولا إبرة بلا صانع وبلا مالك، ولا حرف بلا كاتب، فكيف يسوغ لك القول: إنه لا حاكم ولا سلطان لهذه المملكة الرائعة المنتظمة المنسقة؟”[6].

فهل يمكن ألا يكون هناك حاكم لهذا الكون الكبير العظيم، وكيف له أن يسير هكذا بلا تدخّل؟… إن استخدام هذا الأسلوب يُعتبَرُ مثالًا جيّدًا على ما نحن بصدده.

فإذا ما تذكّرنا كلَّ ما أُوردَ من أدلّة في هذا الموضوع وإذا استعرضنا عقلًا كلَّ ما كُتب عنه من مؤلفاتٍ سيتبيّن لنا أننا نملك معدّات مهمّة، وأحسب أنه لن يبقى علينا بعد ذلك إلا بعض الأمور البسيطة كاستغلال هذه المواد التي بحوزتنا في مكانها، وتقديم بعض الموضوعات وتأخير بعضها وهكذا.

3- التعريف بعصر السعادة النبوي والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم

كما أنّ علينا أن نراعي الدقة التامّة عند حديثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنني شخصيًّا أعزو عدم حبِّ البعض للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أن ذويهم لم يلقِّنوهم ذلك في مرحلة الطفولة، فمَن خالَطَه صلى الله عليه وسلّم معرفةً أحبّه، بل وهويَه وعشقه، ولقد سُحر الكثيرون به عصورًا، واتبعوه وساروا على دربه؛ حتى إننا لم نر مثل هذا القدر من التعظيم والتقدير لأحدٍ من البشر على مستوى العالم كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فليس من الصحيح أن ننتظر حبًا من الطفل للنبيّ صلى الله عليه وسلم دون أن نعرّفه به ونحدّثه عنه، لقد شرفت زمرةٌ سعيدة الحظّ برؤيته صلى الله عليه وسلم في فترةٍ ما، ثم أعقبتها زمرة أخرى رأت مَن رأوه، فحاولت هذه الأخرى أن ترى النبيّ بعيون الصحب الكرام رضوان الله عليهم، ويؤكد هذا قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ”[7].

لقد نشأ النبي صلى الله عليه وسلم في عهدِ الظلام؛ عهدِ البداوة البشرية، كان الناس فيه يتّصفون بالغلظة والقسوة حتى إن بعضهم كانوا يدسّون بناتهم في التراب وهنّ أحياء، وكان معظمهم يشرب الخمر، وانتشرت في ذلك العهد أيضًا ما يُسمى الآن بالفكر الشيوعي بقدرٍ ما، فلما بُعث سيد البشر صلى الله عليه وسلم أصلح الحياة الاجتماعية مرّة واحدة، فكانت إنجازاتُه عليه الصلاة والسلام معدومةَ الندّ والنظير كما ذاتُه وصحابتُه.

أجل، كأن الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه قد نفذ إلى خلايا المخّ لدى الناس في ذلك العصر، وتربّع على عرش قلوبهم، وعالج أمراضهم المادّية والمعنويّة معًا، وجعلهم أناسًا مثاليّين وارتقى بهم إلى أوج الكمالات، وإنّ هذا ليُعتبَرُ ثورةً عجيبةً ضنّ الزمان بِنِدِّها على مدار التاريخ.

حدثت ثورات وانقلابات في روما واليونان وغيرهما من البلدان، غير أنها لم تعِدْ الإنسان بالكثير من حيث قِيَمه الإنسانية، بل قد أحدثت في هذه المجتمعات أزماتٍ جديدة، بل وأرجعتها في بعض الأماكن إلى عهدها القديم، ولم يُخلّف قسمٌ من هذه الانقلابات للإنسانية إلا الدمَ والدموع.

إنّ الانقلاب المنشود هو ما يُحِدثَ تغييراتٍ إيجابيّة في عقول الناس وقلوبهم وأرواحهم وحياتهم المادّيّة والروحية وأفكارهم ومشاعرهم، ويرقى بهم من أوحال الأهواء النفسية إلى الإنسانية في أعلى عليّين، ثم يتطوّر بعد ذلك فيتحوّل إلى دوائر صالحة، لقد قام الرسول الأكرم والمصلح الاجتماعي الأعظم بهذا في إطار النبوّة معتمدًا على هذا الفهم الاجتماعي العميق، ولكن ما قدر معرفتنا بما حقّقه؟! وما القدر الذي نحدّث به أطفالنا عنه مع أنه صلى الله عليه وسلم يمثّل لنا -في كلّ الأمور- القدوةَ الحسنة المعصومةَ عن أيّ نقصٍ أو قصور؟

يقول مهندس الفكر في عصرنا: “ليأخذوا مائةً من فلاسفتهم وليذهبوا إلى الجزيرة العربيّة، وليعملوا مائة سنة هل يتيسّر لهم أن يفعلوا جزءًا من مائة جزءٍ ممّا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في سنةٍ واحدة بالنسبة إلى ذلك الزمان!” ثم يتناول المسألةَ بشكلٍ أيسر فيقول:

“إن رفعَ عادةٍ صغيرة -كالتدخين مثلًا- من طائفةٍ صغيرةٍ بالكلية، قد يَعْسُرُ على حاكم عظيم، بهمّةٍ عظيمة، مع أنّا نرى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد رفع -بالكلّية- عاداتٍ كثيرة من أقوام عظيمة متعصبين لعاداتهم، معاندين في حسّيّاتهم”[8].

ولنا أن نوجز المسألة فنقول: لو أن عشرة أشخاص اجتمعوا حول إنسانٍ مدخّن، وشرحوا له أضرارَ التدخين وأنه يتسبّب في مرض السرطان وما إلى ذلك من أضرار؛ لعجزوا عن إقلاعه عن هذه العادة السيئة، بيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استطاع في حملةٍ واحدةٍ أن يقتلع جذور الخصال الخبيثة التي سرت في عروق الناس ودمائهم آنذاك، واستطاع أن يبنيَ بدلًا منها صروحَ أرسخ القيم الإنسانية.

إن الحساسيّة في مسألة تحريم الخمر لتُشكِّل نموذجًا مهمًّا للقضاء على الخصال الخبيثة دفعةً واحدة: تأمّلوا، مجتمع سكّير، يُصاب بالدوار إن لم يشرب الخمر… لكن لـمّا حُرّم الخمر دفعَ قدحَ الشراب عن فمه وطرحه أرضًا دون تردّد… ولا أدري إلى ما يعزو المربّون الحاليّون لدينا أثرَ هذه التربية الفعالة.

إن ما يقع على عاتقنا هو أن نفهم ونشرح لأبنائنا قدرَ هذه العظمة الباهرة للرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه، وأن ننبّه الضمائر إليها، فإن نجحنا في فعل ذلك أخذ أبناؤنا يتحدّثون عنه عليه الصلاة والسلام ويفكرون فيه ويشعرون به، وهذه العملية قد نطلق عليها بمعناها الخاص “تلْقينًا وإيحاءً” أو مددًا إلهيًّا بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم لنا، ندعو الله تعالى أن يديم تأييدَنا برسوله صلى الله عليه وسلّم.

وعلينا أن نقصّ على أبنائنا جميع الحوادث ما وقع منها وما سيقع مما أخبرنا به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكأنه يشاهدها أمامه مباشرة عبر شاشة التلفاز؛ وهذا ما يجدد ويقوِّي ثقتهم به صلى الله عليه وسلم.

ثمّة أخبارٌ صحيحةٌ صريحةٌ وردت في الأحاديث لا تقبل التأويل، أخبرنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهمّ الأحداث التي وقعت من لَدُنْ عصر السعادة النبوي الذي نشأ فيه حتى قيام الساعة، وعدّد لنا أسبابها ونتائجها الواحدة تلو الأخرى، فأنذرَنا ونبّهَنَا، وتضمّنت هذه الأحاديث كثيرًا من الوقائع العظيمة مثل احتلال المغول، وارتفاع قيمة وقدر نهر الفرات، ونفط طالقان وانتشار الفحش في آخر الزمان…[9] كل هذا نقله لنا النبي صلى الله عليه وسلم على هيئة لا يتمالك من شهدها إلا التصديق والإيمان به.

أجل، إذا شرحنا للطفل كل هذا على الترتيب شعر بالتوقير إزاء عظمته صلى الله عليه وسلم، وما استطاع الآخرون أن ينزعوا صورة الرسول الأكرم عن ذهنه وعقله.

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس بين يدي أحد ويأخذ عنه العلم والفن والتقنية، ولم يكتب كتابًا في حياته، ولم يتعلّم شيئًا من أحد سوى مولاه عز وجل، فإذا ما علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم علوم الأولين والآخرين؛ فإن تعريف الآخَرين به هو دَينٌ علينا أن نؤدّيه وفاءً منّا له صلوات ربي وسلامه عليه.

ثمّة أمور ذكرها صلى الله عليه وسلم تتعلّق بعلم الطبّ يتعذّر على أحد معرفتها بمستوى العصر الذي كان يعيش فيه؛ وهذا يعني أن الله علّمه ما لم يعلم، ونقل لنا بدوره ما علمه الله له. أجل، إنه رسول الله حقًّا وصدقًا.

ولو حاولنا أن نكتب حول الإجراءات العظيمة التي حقّقها النبيّ صلى الله عليه وسلم وما أفرَزَتْهُ من تغيّراتٍ في حياة الإنسان الشخصيّة والاجتماعيّة لما وسِعَتْ موضوعَنا المجلدات العديدة، غير أننا تطرّقنا بإيجازٍ إلى بعض المسائل هنا لإعطاء فكرةٍ وجيزةٍ عن هذا الموضوع، ومن ثم فإنني أُحيل الحديث عن الطبّ النبويّ وعن الأخبار الغيبية النبويّة وغير ذلك من صفات عظمته إلى آلاف المجلدات التي كُتبت حول هذا الموضوع، ولننتقل الآن إلى موضوع آخر.

4- التعريف بالقرآن الكريم

إن تحبيبَ الأجيال الجديدة في القرآن الكريم بكلّ جوانبه وتقبّلهم له عن رضا واقتناع له أهمّيّةٌ كبيرةٌ في إيقاظ وإحياء العاطفة الدينية لديهم، فإن قصرَ القول على أنّ القرآنَ الكريم كتابٌ مقدّسٌ لا غير؛ لا يكفي من ناحية القرآن ولا من ناحية الطفل، وإن كان كافيًا بالجبر والإلزام لمَن هم في سنٍّ صغيرة فلا يكفي ألبتّة لمن هم في سنٍّ متقدّمة، بل قد يعود بالضرر على الطفل؛ إذ إنه سيتسبّب في تشكيل حكمٍ سلبيٍّ مسبقٍ لديه إزاء ما يلقَّن به من أمور إيجابية فيما بعد، ومن ثمّ علينا أن نشرح للطفل كيف أن هذا القرآن العظيم منذ نزوله لم يستطع أحدٌ أن يعارضه أو يتحدّاه، فهو رسالة الله الأخيرة من السماء؛ ولا حرج إن اعتمدنا في ذلك على القضايا المحكمة التي أثبتها العلم والتكنولوجيا في عصرنا الحاضر .

في الحقيقة إن القرآن الكريم يوافق أحدث المعطيات العلمية حول الخلق والوجود والكون على اتّساعه، ولا يناقضها، بل إنه أعطى معلومات إجماليّة عنها على صورة قواعد كلّية، وعلى ذلك لا يجانبنا الصواب إن قلنا إن هذا الكتاب الرائع يوضح ويشرح كلَّ شيء بدايةً من عالم الذرّات حتى عالم المجرّات يستهدف من ذلك توجيه المرء إلى عبادة ربه، يقول الله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (سُورَةُ الأَنْعَامِ: 6/59)، فهذه الآية هي أسطع برهان سماوي على هذه الحقيقة.

5- الحديث عن الحشر

والحديث عن الحشر خطوةٌ أخرى متقدّمة، فلا بدّ أن يذعن الطفل قلبيًّا إلى أن هناك عُقبى بعد الدنيا وأُخرى بعد الأولى وعالم آخر بعد هذا العالم، فكلٌّ من العلم والحكمة والمصلحة يشير إلى أن الله هو خالق الكون، وهو الذي يديره ويسيّره، وهو سبحانه الذي وضع الزمان وحدّده، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ (سُورَةُ العَنْكَبوتِ: 29/20).

ومعنى هذا: سيروا في الأرض ودقّقوا في الآيات التكوينيّة وقلّبوا النظر في صفحات الكون مرحلةً بعد أخرى، ثم انظروا وشاهدوا كيف بدأ الله الخلقَ على الأرض، وكيف وُجدت الموجودات ولم تك شيئًا، وكيف ظهرت الإنسانية، وكيف انتهت إلى الكمال.

إن الله تعالى هو الذي خلق العالم من العدم وكذلك سيُنشئه النشأة الآخرة فيما بعد، فمَن وضع هذا النظام أَمَا باستطاعته أن يُنشِئ عالمًا آخر؟ ومَن خلق الكرة الأرضيّة بعظَمتِها هذه أليس قادرًا على أن يخلق غيرها؟ ومَن أسكنكم في هذه الأرض أليس قادرًا على إسكانكم في عالم آخر؟… يخيل إليّ أن هذا القدر من المعلومات يكفي لهذه العقول البسيطة للأطفال.

يكفي أن ننظر بإمعان واعتبارٍ إلى هذا الخلق البديع للسموات والأرض وكيف تسبح الحيتان في البحر وتطير الطيور في الهواء وتجري السُّدُمُ والأنظمة العملاقة في نظامٍ بديعٍ تحار له العقول والألباب، حينذاك ندرك أنه ما من شيءٍ خُلق عبثًا وبلا غاية أو نظامٍ، فضلًا عن ذلك: فإن هذا التناغم جليٌّ وواضحٌ للجميع حتى لأبسط العقول الصغيرة.

يوجّه القرآن أنظارنا إلى كلِّ هذا، ويلفت انتباهنا إلى خَلْقِ الإنسان الذي يحوز أهمّيّةً كبيرة بجانب خلق السموات والأرض.

يقول تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ﴾ (سُورَةُ السَّجْدَةِ: 32/4).

﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ $ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ $ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ (سُورَةُ السَّجْدَةِ: 32/7-9).

فإذا ما قال القرآن لنا: “إن الله تعالى هو مَن خلق هذه الأنظمة الرائعة ونظّمها، وبعد أن يهدمها سيخلق عالمًا آخر غيرها” ثمّ اعترضتم؛ فهذا اعتراضٌ غير منطقي، وأظنّ أنّ مثل هذا الموضوع لن يكون مثار جدَلٍ أو مناطَ خلاف لدى الصغير والكبير إن بيّناه لهما؛ فللقرآن الكريم العديدُ من البيانات السهلة الممتنعة من هذا القبيل.

يقول القرآن الكريم لمن يعترضون على مسألة الحشر والنشر: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ (سُورَةُ يس: 36/79).

ويقول في آية أخرى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (سُورَةُ الرُّومِ: 30/50).

لقد استخدم القرآن الكريم هذا النمط من الأسلوب المبسّط لبيان ما يلزم للطفل ومتوسّط العمر وغيرهما.

إن تناول مسألة الملائكة الكرام والقدر لا بدّ فيه أيضًا من مراعاة أعلى درجات الدقّة، فيجب علينا أن نوضّحَ للطفل أن لكلّ شيءٍ برنامجًا وخطّةً ومنهجًا خاصًّا به؛ وأنّ خلقَ الإنسان والأكوان أيضًا له خطّته الخاصّة به وبرنامجه الذي لا يحيدُ أو يخرج عنه، وهو ما نُطْلِقُ عليه اسمَ “القدر”، كل هذا وغيره نشرحه للطفل بأساليب ومناهج مناسبة.

والخلاصة أننا بتلقيننا كلَّ هذه المعلومات للطفل نكون قد أرشدناه إلى الصراط المستقيم، ودعونا الله فعلًا وحالًا أن: ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (سورةُالفَاتِحَةِ: 1/6)، كما دعوناه قولًا، ولا ريب أن دعاءنا هذا سيترتب عليه -إن شاء الله وبفضل من الله ورحمته- ألا تضيع جهودُنا التربويّة سُدى.

من جانبٍ آخر: علينا أن نحدِّث الطفل عن الصلاة والصيام والزكاة والحجّ، وعن الجماليّات التي جاء ذكرها في كتب الصالحين، وأن نوجّه قلوب أبنائنا في كلٍ أمر، بداية من المسائل الاعتقادية حتى القضايا العملية، وألا نُفسح المجال لموتهم أو تلوّثهِم عقليًّا وفكريًّا وروحيًّا.

فمثلًا: علينا أن نوضّح للطفل مدى فظاعة الشرك حتى يعتقد في نفسه أن دخول جهنّم أهون عليه من أن يُشرك، ومدى شناعة الزنا حتى يكون تقبّل الموت بصدر رحبٍ أفضل من التدنّس بهذا الدنس، فإن أقدمَ على مباشرة هذا الأمر بيده أو بلسانه أو بعينه ارتعدت فرائصه من عذاب الضمير وظلّ يبكي طوال عمره، فإن حدثناه عن قباحة القتل والسرقة والكذب حصل لديه اشمئزاز من كل هذه المنكرات ونفورٌ وحذرٌ من الوقوع في شباكها.

علاوة على ذلك علينا أن نحذّر أبناءنا قولًا وفعلًا من الفسق والفجور، ولا نُفسح مجالًا أمام تردّي الطفل في أوحالهما، فإذا ما نشأ الطفل في مناخٍ نظيفٍ أخلاقيًّا منذ البداية فلن تتغلّبَ عليه -بمشيئة الله تعالى- الرياحُ المعاكسة التي تهبُّ فيما بعد، ولن تستطيع أن تنال من بنيَتِهِ الداخلية وعالمه الشعوريّ أبدًا، وبذلك نكفل ديمومةَ بقائه في كنفِ الحيويّة والعشق والشوق ورِحاب العبوديّة لله واحترام الإسلام.

[1] وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: “أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، وَنَهَانِي عَنْ ثَلَاثٍ: أَمَرَنِي بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ وَنَهَانِي عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْقِرْدِ، وَنَقْرٍ كَنَقْرِ الدِّيكِ“. (مسند الإمام أحمد، 13/38).

[2] صحيح البخاري، الرقاق، 28؛ صحيح مسلم، الجنة، 1، (واللفظُ لمسلم).

[3] ابن حبان، الصحيح، 1/282.

[4]  كتاب “النور الخالد” للأستاذ محمد فتح الله كولن، من إصدارات شركة دار النيل، وهو من نوعية كتب فقه السيرة النبوية التي تتناول حياة  النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالشرح والتحليل.

[5] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 1/106.

[6] بديع الزمان سعيد النُّورْسِي: الكلمات، الكلمة العاشرة، ص 48.

[7] صحيح البخاري، المناقب، 29؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة، 21، 215.

[8] بديع الزمان سعيد النُّورْسِي: الكلمات، الكلمة التاسعة عشرة، الرشحة الثامنة، ص 257.

[9] انظر: صحيح البخاري، الفتن، 24؛ صحيح مسلم، الفتن، 30-32، 110؛ سنن أبي داود، الملاحم، 9-10؛ مسند الإمام أحمد، 5/40-44.

فهرس الكتاب

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts