سؤال: ما أضرار الفحش؟
الجواب: أضرار الفحش كثيرة تفوقُ الحصرَ والعَدَّ، والفحشُ يعني انهماكَ الإنسانِ في المتعِ والملذَّاتِ غير المشروعة، فليس من الفُحْشِ الاستمتاعُ بالملذّات الدنيويّة في حدود دائرة الشرع.
أجل، “إن دائرةَ الحلالِ واسعةٌ فسيحةٌ، تكفي للراحة والسعادة والسرور، فلا داعيَ لِلْوُلوج في الحرام”[1].
يُذكَرُ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يتلفَّظْ بكلامٍ بذيءٍ قطّ، وما دنا من دائرة الفُحش حتى قبل بعثته؛ لأن العصمة هي إحدى صفات الأنبياء، والعصمةُ تحول دون ارتكاب الذنوب والنظر إلى الحرام والميل إليه، فلو أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اقترفَ واحدةً من هذه الأمور ولو لمرة واحدة ما أمهله أعداؤه الذين يخططون للنَّيلِ منه كلما أتيحت لهم الفرصة، ولاستغلوا هذا الأمر استغلالًا جيدًا ولاتخذوه مبرِّرًا للنَّيلِ منه والقضاء على دعوته، منهم من قال: إنه ساحرٌ وشاعرٌ وكاهنٌ ويتيمٌ وفقيرٌ، ومنهم من قال: إنه يريد أن يفعل هذا أو ذاك، ولكن ما تجرأ أحد على أن يقول إنه قد اقترفَ -حاشاه- شيئًا من الحرام، ما استطاعوا ولن يستطيعوا أبدًا؛ لأن مثل هذه الافتراءات لن يصدقها أحد.
لقد عاش صلوات ربي وسلامه عليه عفيفًا، وما صدر من فمه كلام بذيءٌ، ولا تناهى إلى مسامعه كلامٌ فاحش، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يرفضُ أن يُقالَ في حضرته أيُّ كلمةٍ نابية، فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ”[2]، فيُمكننا أن نقول: ما جرى الكلامُ البذيءُ يومًا على لسانِهِ، وما خطر ببالِهِ.
وكيف يخطر على باله ذلك وهو الذي قال: “إِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ”[3].
لكن مع الأسف راجَ الفحشُ كثيرًا وانتشر في عصرنا الراهن، وغدا بجميع جوانبِهِ وأحواله ووحداته ومؤسَّساته مُكرّسًا لخدمة الشيطان، غير أن هناك قوانين ودساتير وضعها الإسلام ضدَّ الفُحش، طالما حافظَ عليها المؤمنون ما وقعوا في دوامة الفحش، وما جرفتهم تياراته.
أما من لم يُراعوا ما وضعه الإسلام من قوانين ودساتير فلا بدَّ أن ينجرفوا كجذوعِ الشجر مع تيّار الفحش وينساقوا إليه.
وإن أهم مسالة أخشى فيها على نفسي وإخواني المؤمنين، أن ينفذ الشيطان إلى داخلهم ويسوقهم إلى طريق الفحش.
إن أهل الدنيا والضلالة يسعون الآن سعيًا حثيثًا لإغواء المسلمين البسطاء والشباب الغرّ الذي ما زال يحبو على الطريق، يحاولون على الدوام الإيقاعَ بهؤلاء الشباب وفتنتَهم بالمال تارةً وبالمنصب تارةً أخرى أو بجرّهم إلى المجونِ والخلاعةِ كوسيلةٍ لإسقاطهم في مستنقع الفُحش والحرام (والعياذ بالله).
يمكننا أن نرتِّبَ الأسُسَ التي وَضَعَهَا الإسلامُ في هذا الموضوع على النحوِ التالي:
أولًا: الإسلامُ ينظرُ إلى الغرائزِ الإنسانيّة على أنها فطرةٌ كامنةٌ وحقيقةٌ قائمة، فمثلًا يَعْتَبِرُ كلَّ المشاعر الإنسانية مثل الغضبِ والطَّمع والعناد على أنها حقيقة بذاتها، لكن إن اُسْتُغِلَّتْ هذه الغرائزُ والمشاعرُ في مكانها الصحيح أفضَتْ إلى حصولِ الخيرِ واليُمنِ والبركة، أما إن أُسِيءَ استغلالها جرَّت الإنسان إلى الشرور والآثام، وعلى نفس الشاكلة يعتبر الإسلام شهوة الإنسان حقيقة كامنة فيه؛ لأن الشهوة عطيّة إلهيّةٌ ومنحةٌ يمنحُها الله لخليفتِهِ على الأرضِ وهو الإنسان ضمانًا لحياته الشخصية ودوامًا للنسل، فلو أحسنّا استغلال هذه المكافأة لتكاثرت أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول صلوات الله وسلامه عليه: “تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”[4]، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لا يفتخر بكثرة الذين يُفْطِرون في الحانة ويُعيّدون عند النُّصُبِ، ويصومون في الخمارة، بل يتباهى بمن يصلي صلاتنا ويتَّجِهُ إلى قِبْلَتِنا ويقولُ بقولِنا ويُحِبُّ ربَّنا.
وعلى ذلك يمكننا أن نقولَ بكلِّ أريحيّة: إنَّ عاطفةَ الشهوة عاطفةٌ مُقدَّسةٌ، فبهذه العاطفة وُلِدَ أعظمُ المصطَفين وأرقاهم وأصبحوا مصدرَ فخرِنا، وعلى رأسِ هؤلاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد تعاملَ الإسلامُ مع هذه القضية تعاملَهُ مع كافة القضايا، فوضعَ لها مقياسًا وشملها بالتوازن، ووفَّـرَ كلَّ الإمكانيات والوسائل لتحقيقِ هذا الأمر، ويأتي على رأس تلك الوسائل الزواج، فالزواج واجبٌ على من يستطيعه، ومن لم يستطعه أوصاه نبينا صلى الله عليه وسلم بالصوم، يقول صلى الله عليه وسلم: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”[5]، غير أنه لا بدَّ من تحقُّقِ شروط الصوم جميعها، حتى يتمكن الإنسان من أداء الوظيفة التي تحول بينه وبين الفُحش.
فمثلًا لو ظلّ الإنسان صائمًا طوال اليوم، ثم ملأ بطنه أكثر مما ينبغي في المساء، وفعل الشيء نفسه في السحور وكأنه يتسابق بطعامه مع ما أكله في الإفطار فلا ريب أنه لن ينال النتيجة المرجوة من الصوم؛ لأن الغاية من الصوم هي كسرُ الشهوة، فإن زادت الوحدات الحَرارية فيما يتناوله الإنسانُ من أطعمةٍ فلن تنكسِرَ شهوتُهُ بل تزيد وتحتد، ومن ثمّ يستحيل على من يأكل ويشرب على هذا النحو أن تلحقَه منفعةٌ من الصوم.
في الواقع على الإنسان أن يراعي مأكلَهُ ومشربه حتى في الأوقات العادية، فالإقلالُ من الطعام والشراب والنوم مبدأٌ إسلاميٌّ ثابتٌ لا يتغيّر، ولقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: “مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ”[6]، فإن كان الحال هكذا فنحن مضطرُّون إلى مراعاةِ المقاييس نفسها في الصوم أيضًا.
هناك من الناس من يصوم دون مراعاةٍ لمتطلَّبات الصوم، ويقول إنه لم يحصل على النتيجة المرجوة من الصوم، فمثل هذا الشخص يفتري على الصوم؛ لأن الصومَ نافعٌ بالتأكيد، وما هو إلا كاذبٌ مفترٍ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اسْقِهِ عَسَلًا” فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: “اسْقِهِ عَسَلًا” فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ” فَسَقَاهُ فَبَرَأَ”[7].
ثمة حكمة في حدوث هذا وفي قول ذلك، فربما كان يشوب الرجلَ خللٌ في عقيدته واعتقاده.
أجل، إن صحّحَ الإنسان نيته ولو شرب سمًّا لا يضره ذلك ما دام يتحلى بفطرة سليمة، ومن الأهمية بمكان أن يزدان الإنسان ببعض الخصائص مثل التركيز والاعتقاد التام والتوكل.. من أجل ذلك اعتبرَ النبي صلى الله عليه وسلم الصومَ وِجَاءً ووقايةً لنا من الشرور والآثام، فإن لم نكبحْ جِماحَ شهواتنا فنحن الكاذبون، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الصادق المصدوق.
ومع هذا فهناك أشخاص خلقهم الله على طبيعة خاصة، ولذا يعانون من شهوة مفرطة، وقد يكون لهؤلاء رغبة شديدة في الزواج تكاد تدفعهم إلى الجنون، ومن المحتمل أن الصوم ليس بوسعه وحده أن يكبح شهواتهم، ومن ثم ينبغي أن نزوِّج مثل هؤلاء في الحال وإن كانوا فقراء ويعانون ضيق المعيشة؛ حتى لا نضطرّهم إلى ارتكابِ المعاصي.
وبينما الإسلام يوصي الشباب بالصوم أو بالزواج نجده من ناحية أخرى يقف حائلًا دون انتشار الأمراض التي تنخر أساس المجتمع والتي تسمى بالأنشطة الهدامة، بل ويمنعها جميعها ويفرض عقوبات عليها، ولا يكتفي بذلك بل لو أن هناك شابًّا شكّل سببًا لغواية الناس وفتنتهم فإنّه يُفضّل إقامته في مكان آخر يمنعه من التسبُّبِ بالفتنة، وبسبب هذا الأمر نفى النبي صلى الله عليه وسلم امرأةً عن المدينة، كما أمر عمر رضي الله عنه شابًّا بالرحيل عن المدينة.
فلما سأله الشاب المنفي: ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟؛ ردَّ عليه عمر قائلًا: لا ذنب لك، إنما أفعل ذلك حفاظًا على سلامة أمن الناس[8].
ومن ثمّ لا بد من القضاء على كل العوامل التي تثير العين والأذن وتحفز الأعضاء الأخرى؛ حتى ننأى بأنفسنا عن الفحش والتفحش.
وإنَّ الإنسان في هذا العصر لَيُواجه خطرًا مُحدِقًا لفتَ النبي صلى الله عليه وسلم أنظارنا إليه بقوله: “مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ”[9]، وفي رواية أخرى يقول “مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي فِتْنَةً أَخْوَفَ عَلَيْهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالْخَمْرِ”[10].
أجل، لقد قَضَتْ فِتْنَةُ النساء على كثيرٍ من الأمم السابقة وأهلكَتْهم، وجعلَتْهم أثرًا بعد عين، فقد اندثرت روما وبيزنطة تحت نير شهواتها وغرائزها، وحدث الشيء نفسه مع أندلُسِنا الجميلةِ أيضًا… وأظنُّ أن معظمَ من يرى الرسوم المخجِلَةَ في حمامات قصر الحمراء يسلِّمُ بذلك.
أجل، رسوم خُطَّتْ هنا وهنالك باسم الفن، تُجْلي بوضوح مدى السقوط والتدني الذي آلت إليه الأخلاق في ذلك العصر، إن ربنا سبحانه وتعالى -حاشاه- لا يظلمُ أحدًا، فالظالم سيفُ الله ينتقمُ الله به، وكما قيل: “الظالم سيف الله في الأرض، ينتقم به ثم ينتقم منه”.
عندما سلّط الله عليهم “فيرنانديو” كانوا قد انسحقوا واندحروا منذ زمن بعيدٍ تحت نِير غرائزهم، وعندما سلَّطَ الله علينا اليونان والبلغار وغيرهما من الظالمين والكافرين عقد البعض في عدد من المناطق المتدينة مجالسَ للهوِ والمجون، بيد أن أهالي تلك المناطق قاموا بعد ذلك بالتمرد على قانون ارتداء القبّعة الذي يُعدُّ هيِّنًا بالنسبة لما كانوا يفعلونه، فما معنى تلك المجالس والملاهي في ذلك الوقت؟
ولماذا لم يتمردوا على ذلك الانحطاط الأخلاقي؟ أو يُعرِبوا عن رفضهم له؟ لأجلِ ذلك فقد سلَّطَ الله عليهم الظالمين بمرور الوقت، وكأنه يُشيرُ عبرَ رسائلَ واضحة إلى كلِّ من انحرف عن الطريق أن: استقيمُوا واستوُوا.
أجل، إنَّ الفحشَ مرضٌ فظيعٌ أبادَ كثيرًا من الأمم السابقة، ويَعِدُ اللاحقين بالفناءِ كذلك، فقد لَقِيَ السلاجقةُ والعباسيُّون حتى الدولة العلية العثمانيّة حتفَهم بين براثن ذلك الوباء العضال، ولا أحد يدري الآن مَن الذين سيُدمِّرهم هذا المرض الخبيث!
انتشرت الآن بعضُ الأفكار الخاطئة المُخجِلة، ولولا انسياقُ بعضِ السُّذَّجِ وانخداعُهم بها لم أكنْ لأعرضَها، ترى هذه الأفكارُ أنه لا بدَّ من اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد واختلاطهما، وبذلك سيألفون بعضهم البعض، وستتلاشى حينذاك كل الأخطار الممكنة.
وهذا ادِّعاءٌ خطيرٌ للغاية، بل كذبٌ محضٌ؛ لدرجةِ أنه قد ساق أكثر من نصفِ شبابِنا إلى اقترافِ الذنوب وارتكاب الجرائم، وقد أثبتَتْ الإحصائيّات والدراسات العلمية أن (60%) من شبابنا يشربون الخمر، ومن المعروف أن الخمرَ يُـثيرُ الشهوةَ ويؤدِّي رويدًا رويدًا إلى الفحش، ولم يجرُؤْ أحدٌ حتى الآن على إِجراء بحثٍ جدِّيِّ في هذه المسألة، ولو حدث لاستبان أمامنا بوضوحٍ أن مراكزَ القوَّة ذات الصلة بالخارج والتي تمارس أنشطتها الهدّامة في مجتمعنا قد خطَت بواسطة الفُحشِ أولى خطواتِها لإيقاعِ شبابِنا في شِباكِها.
إن الخمر والفحش أنِيميا تسري في دمِ شبابنا. أجل، إن الفحش الذي يُصطاد به الشباب سرًّا وعلانيةً ينتشر انتشارَ سرطانِ الدم تمامًا، وإنَّ هذه الادعاءات غير المنطقيّة وغير المتوازنة التي يروِّجُ لها هؤلاء لتدمير مجتمعنا، والتي هي محاولةُ إطفاءِ الشهوة عن طريق إثارة شهوات الآخرين؛ ما هي إلا ضربٌ من التناقض، فهي تمامًا كمن يحاولُ إرواءَ ظمإِ الناس بماءِ البحر؛ لأن الإنسان كلّما شرب منه احترق جوفه وازداد عطشه واشتدت حاجته إلى شرب الماء.
فضلًا عن ذلك فإن كل تَـعَـرٍّ لا يوافق المعايير الإسلامية لا يُثير الشهوات إزاءَ النساء فقط بل يمتدُّ الأمر إلى الرجال، فكثيرٌ من الشباب الذين وقعوا تحت وطأةِ شهواتهم كلّ يوم وتكاثرت عندهم هرمونات الذكورة كلما رأوا الأجساد العارية وسمعوا الكلمات النابية وظلُّوا يُفَكِّرون في صُوَرِ العُري التي لم يستطيعوا أن يمحوها من أذهانهم ما زالوا ينساقون مع الأسف صوبَ الانحراف الجنسيِّ نظرًا لوجود ثغرات في قوانيننا تغض الطرف عن هذه الأمور المستهجنة، إلى أن أصبحوا وصمة عار على جبين مجتمعنا.
وقد وفدَ علينا كثير من أمثال هذه الشرور من أوروبا، وربما لا تنتشر هذه الأوبئة في أوروبا فجأة كما في بلادنا لأن أوروبا بلدٌ باردٌ، لكن توافد هذه الأمراض على البلدان الحارَّة جعل المسألة مدعاة للتفكير، وربما من الممكن مناقشة هذه المسألة لاحقًا.
نعودُ فنقول: فإن قال العلماء بمثل هذا الادعاء الشهوانيِّ الآنفِ الذكر والذي لا يقرّه أيُّ دين أو كتاب سماوي أو منطق سليم فينبغي لنا أن نجلس ونبكي على حالنا، وإن تفوَّهَ بهذا معلِّمٌ في المدرسة فهذا يعني أننا نُقَدّم يدَ العون لأعداء بلدنا وأنشطتهم الهدامة؛ لأن هؤلاء يستغلون ضعف بعض شبابنا إلى النساء ويزيّنون لهم الفحش والتفحش، ومن ثم علينا جميعًا حكومةً وشعبًا أن نكافِحَ هذه الأنشطة الهدامة التي سيطرت على مجتمعنا وجعلَتها يومًا بعد يوم تخدم أعمالها الدنيئة، ندعو الله رب العالمين أن يرزقَ أمَّتَنا وقادتنا عقلًا وبصيرةً تُنيرُ لهم الآفاق من حولهم.
ومع الأسف أسرعَ القائلون بهذا الادّعاء من وتيرة هذا النشاط خاصةً في أيامنا حتى لا تسيطر على الشباب الهواجس الأيديولوجية، بيد أنهم لا يعرفون أن المنافقين في شرق العالم عندما أعلنوا عن الشيوعية لأول مرة ملؤوا الحمامات بالرجال والنساء معًا، ومن ثم فمن يظنون أن بإمكانهم إبعاد الشباب عن الوقوع في الفحش بتوجيههم إلى طريق غير مشروعة يستغلها الشيوعيون والفوضويون سلاحًا لهم يكونون قد ارتكبوا خطأً فادحًا مركّبًا، وإننا نرجو أن يتراجعوا عن هذه الفكرة الخاطئة.
ولا بد للمسلمين أن يُراعوا هذه المسألة في حياتهم الخاصة؛ لأن هذه الأمور المحرمة تُسيطِرُ وتستولي على القلب بمرور الوقت؛ استنادًا إلى سِرِّ الآية الكريمة ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ (سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 83/14)، وحينذاك نصبح بلا أذن تسمع ولا قلب يخشع، ومن المستحيل أن يكون لدى الإنسان عشقٌ وانفعالٌ دينيٌّ بعدما أعتمَت الذنوبُ قلبه.
معنى ذلك أن ثمة وظيفتين للتصدِّي لِلْفُحْشِ؛ إحداهما تقع على عاتقِ الفرد، وهي الزواجُ، فإن لم يستطع فعليه بالصوم أو اللجوء إلى مقومات أخرى تقيه من التردي في الفحش، أما الثانية فتقع على عاتق الشعب والحكومة، وذلك عن طريق تجميدِ كلِّ صنوف الأنشطة الهدامة التي تُـحـفِّزُ المجتمع على الفحش، بل وتجفيف منابعها، فالنشاط الهدام هو أعتى قوة غاشمة تعملُ على تقويض المجتمع، وقد لفت القرآن الكريم أنظارنا إليها بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (سُورَةُ النُّورِ: 24/19).
إننا مضطرون إلى مكافحة تلك القوى المظلمة بما يتناسب مع مبادئها، ولا ننس أن خلاصنا وخلاص أمتنا منوطٌ بذلك.
[1] بديع الزمان سعيد النورسي: الكلمات، الكلمة السادسة، ص 25.
[2] صحيح البخاري، الأدب، 34؛ صحيح مسلم، الآداب، 10.
[3] سنن الترمذي، البر والصلة، 62.
[4] عبد الرزاق: المصنف، 6/173.
[5] صحيح البخاري، النكاح، 2؛ صحيح مسلم، النكاح، 1؛ 3.
[6] سنن الترمذي، الزهد، 48؛ سنن ابن ماجه، الأطعمة، 50.
[7] صحيح البخاري، الطب، 3؛ صحيح مسلم، الآداب، 91 (واللفظ لمسلم).
[8]انظر: ابن شُبَة: تاريخ المدينة، 2/762؛ الخراطي: اعتلال القلوب، 2/392.
[9] صحيح البخاري، النكاح، 18.
[10] المحاملي: الأمالي، 1/176.