سؤال: هل وجود “الأثير” حقيقة؟ إن كان موجودًا فما هو؟
الجواب: وجود الأثير ليس قطعيًّا، ولكن ذكر بعض أهل العلم الأجلاء له ولو في التمثيل يدفعنا إلى الحديث عنه بحذر.
الأثير مادة لطيفة، تنفذ إلى كل مكان، تطرق إليها “هويكنـز (Huygens)” في شك منذ عصور، ولما أكّد “مكسويل (Maxwell)” وجود الأثير اندثرت نظرية الفراغ المطلق، قال مكسويل: لما تم إثبات الظاهرة الكهرومغناطيسية كان لا بد من وجود وسط كالأثير؛ أي كل شيء من العالم الكبير (الكون) إلى العالم الصغير (الذرة) لا يخرج عن الأثير، والنتيجة الأولى لهذا الاكتشاف هي أن الموجات الضوئية ليست إلّا موجات كهرومغناطيسية، أي ظاهرة الضوء ليست إلا ظاهرة كهرومغناطيسية، وكان هذا الاكتشاف يعد خطوة أولى نحو توحيد الظواهر الطبيعية.
وسَبَقَ “فراداي (Faraday)” “مكسويل” بأن الشحنات الكهرومغناطيسية لا تستطيع الحركة والانتقال في الفراغ، وأنها بحاجة إلى وسط يحملها، وأفادت القوانين التي اكتشفها بأن هذه الشحنات مَوجات عرْضية لها نفس خواص الضوء من حيث الانعكاس والتكسر والتكسر المزدوج؛ وادعى “مكسويل” أن الضوء موجات كهرومغناطيسية قصيرة نوعًا ما؛ ثم جاء “هرتز (Hertz)” فأجرى تجارب كثيرة أيدت نظرية “مكسويل”؛ إذ لاحظ أن سريان تيار كهربائي في أي زاوية من الغرفة تنبعث منه شرارات كهربائية في الدورة الكهربائية بالزاوية الأخرى دون وجود أي ارتباط بينهما، وأن سرعة هذه الموجات تساوي سرعة الضوء؛ فأُطلق اسم “هرتز” على هذه الموجات، وهذا أصل اكتشاف المذياع واللاسلكي والهاتف الذي بأيدينا.
سادت فكرة الأثير مدّة طويلة، ثم أراد “مورلي (Morley)” و”مايكلسون (Michelson)” التحقق من وجوده بالتجربة، فقالا: لدينا جهاز يمكنه فصل شعاع ضوئي آت من مصدر واحد، ثم يوجهه باتجاهين متعامدين على أن يكون أحدهما موازيًا لمحور دوران الأرض حول الشمس والآخر متعامدًا معه، وسنراقب ونشاهد ما ينعكس على المرايا من هذين الشعاعين، ويُفترَض أن أحد الشعاعين سيستفيد بقدر ما من حركة الأرض فيصير أسرع، أما الثاني فهو متعامد مع حركة الأرض، فيُفترَض أن سرعته لن تتغير، ولكن هذا الفرض لم يثبُتْ؛ إذ لم يسجل أي فرقٍ بين سرعة الشعاعين؛ ثم أعيدت التجربة والنتيجة هي هي، فكان هذا مؤشرًا سلبيًّا على وجود الأثير، أي إنّ الموجات الصوتية لا تحتاج إلى وسط يحملها.
اعتُرِض على هذه النتيجة، فقال “لورنتز (Lorentz)”: القاعدة أن الأطوال تقصر “في اتجاه الحركة”، وهذا ما حدث في تجربة “مورلي” و”مايكلسون”، وبرهن على وصول الشعاعين إلى المركز أو إلى عين المشاهد في اللحظة نفسها رياضيًّا؛ وقد عُدّ هذا اعتراضًا وجيهًا آنذاك؛ ولكن من المهم معرفة ماهية ما يسعى “مايكلسون” لإثبات وجوده، وما هو “الأثير” الذي يقول “لورنتز” بوجوده.
فالأول قال بعدم وجوده استنادًا إلى تجربته، لأنه افترض أن الأثير مادة كثيفة، أو عدَّه كالهواء المحيط بالكرة الأرضية، وتخيَّل حركة هذه المادة السيالة المحيطة بالأرض مع حركة الأرض، أي أجرى تجربته في مثل هذا الأثير الخيالي؛ ألا يمكن أن يكون للأثير وجودٌ فوق المادة أي عالم غير مشهود يقابل عالمنا المشهود هذا؟ هذا علمًا بأن كثيرًا من المجلات العلمية نَشرت وتنشر الآن مقالات كثيرة حول العودة إلى “الأثير”.
إذًا رغم أن الأثير لم يُثبَت وجودُه حتى الآن بالمشاهدة أو بالتجربة، لكن من الخطأ الاستعجال بنفي وجوده؛ لأننا لا نملك معلومات قاطعة على النفي.
وإن كانت الدراسات الحديثة في الفيزياء ترمز إلى وجود الأثير لكننا على قناعة بأن مثل هذا النزاع سيظل سنين إلى أن يُتفق على المصطلحات الفنية.
وأخيرًا أذكّركم بقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ”[1]، ولندع الفيزيائيين ليدلوا فيه بدلوهم في المستقبل.
[1] سنن الترمذي؛ تفسير القرآن، 11.