سؤال: عند ظهور أيِّ دعوة كان أفرادُها يؤمرون بالهجرة، فهل يُعدّ الارتحال اليوم من بلدٍ إلى آخر لخدمة الحقِّ هجرةً في سبيل الله؟
الجواب: الهجرة مسألة عظيمة تنطوي على معانٍ دقيقة وحقائق كبيرة، فكما تعني هذه الكلمة الهجرة من بلد إلى آخر كذلك تعني الهجرة من فكرٍ إلى آخر، وتدلّ أيضًا على هجرة الإنسان من نفسه إلى نفسه، ولا أدري هل أستطيع أن أوفّي هذه الكلمة وما تحمله من معانٍ عميقة حقّها بما يتناسب مع أهميتها وقدرها العظيم أم لا، ولكني سأقوم بعرض ما أستطيعه مستعينًا بالله تعالى وبلطفه وإحسانه.
الهجرة أساسٌ مهمٌّ في كلّ دعوة عظيمة، لذا فلا يوجد رجل دعوةٍ عظيمة، ولا رجل فكرٍ كبير ولا رجل تحمّل عبء وظيفةٍ عظيمة -وأنا على وعيٍ بما أقول- لم يهاجر، لقد ترك كلُّ رجلِ دعوةٍ البلدَ الذي وُلِدَ فيه ورحلَ من أجل دعوته إلى بلدٍ آخر، وأكثر الجوانب بركةً وأهميةً في موضوع الهجرة هي أنها أمرٌ من الله تعالى؛ ذلك لأن هناك معاني ساميةً تقترن بهذه الهجرة لها أهميةٌ خاصة للشخص المهاجر الذي سيقوم بخدمة الدعوة، ومع أن أحدًا لم ينعت سيدنا إبراهيم عليه السلام بـ”النبي السائح” فإن هذه الصفة هو أهلٌ لها وجديرٌ بها، ففي ذلك العهد الذي كانت تتعسّر فيه وسائل النقل فإننا نسمع صدى صوتِهِ يدوّي وهو يدعو “النمروذَ بن كنعان” ملكِ “بابل” إلى الإيمان والتوحيد، قال تعالى حكايةً عن ذلك الحال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (سُورَةُ البَقَرَةِ: 2/258)، ثم إذا بنا نراه في أرض “كنعان”، ثم في سوريّة، كما يورِدُ المؤرّخون أنّ ملِكًا جبَّارًا كان يحكم الشامَ يُدعى “صادوقًا” مرّ به إبراهيم برفقة زوجته “سارة”، ودعاه إلى الإسلام[1]، وكأنّ لسانَ حاله هو وزوجته “سارة” يقول كما قال النبي r يوم بدر: “اللهمّ إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبَدَ في الأرض”.
إذًا فقد كان إبراهيم عليه السلام يسيح في أرجاء الأرض ومعه زوجته المباركة ليهمسَ في أذن كلّ مَن يصادفه ويدعوه إلى الله وحده، ثم لا نلبث أن نراه قربَ الحرم الشريف الذي كان قد تهدّم تمامًا؛ أي إنه استوطن -فترةً- مكة المكرمة التي سينشأ فيها بعد ذلك سيِّدَ الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، والتي ستظلّ محرابَ المؤمنين وقبلتهم المقدسة إلى يوم القيامة، والتي يعدّ خرابها من أكبر علامات قيام الساعة.
جاء إبراهيم عليه السلام إلى الحرم الشريف فرأى حطامًا وأنقاضًا اكتسحتها وجرفتها السيولُ المادية والمعنوية؛ أي إن سيول الكفر والضلالة تعاونت مع سيول المياه المتدفّقة من أباطِحِ مكّة المكرّمة، وكأن الله تعالى قد رفع الكعبة المشرفة إليه -بمادّتها ومعناها- في تلك الأيام السوداء التي حَلَكَ فيها الظلام والظلمات.
وبعد أن رأى إبراهيم عليه السلام هذا المشهد حاول إعادة بناء الكعبة مع ابنه إسماعيل انطلاقًا من قواعدها المتبقّية، ثم أذّن إبراهيم في الناس يدعوهم للحج إليها، فاستجاب له أصحابُ الضمائر الحية وأسرعوا إليها، ويقول بعض المحققين إن الأذان المحمدي قد استُنْبِطَ من أذان إبراهيم عليه السلام ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (سُورَةُ الْحَجِّ: 22/27).
ومقام الحرم الشريف مقامٌ عالٍ يُؤَهّلُ روَّادَه من تأسيس علاقةٍ مع الله، لأن الكعبة مطافُ الملائكة والروحانيين حتى سدرة المنتهى، وطواف الناس حول هذا المطاف له أفضليةٌ تفوق كلَّ التصورات، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إِذَا قَالَ الْقَارِئُ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ (سورةُ الفَاتِحَةِ: 1/7) فَقَالَ: مَنْ خَلْفَهُ: آمِينَ، فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”[2]، وعندما نقوم بالطواف حول الكعبة نشترك في الطواف مع أرواح الأنبياء العظام عليهم السلام، ونكون تحت نظر الله تعالى ورعايته، وما زال الملائكة الكرام حتى سدرة المنتهى يطوفون حول هذا المكان النوراني إلى الآن، وسيبقون إلى يوم القيامة، وليعلم كلّ طائفٍ وهو يطوف حول البناء القدسي الذي سماه الله تعالى “بيتي” أن الروحانيين يطوفون عن يمينه ويساره، ومؤمني الجن يطوفون حتى باطن الأرض، والملائكةَ تطوف حتى امتداد سدرة المنتهى.
في مثل هذه البقعة المباركة شرّفَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم الدنيا، وكانت هذه البقعة من أهم معالم الهجرة الطويلة لإبراهيم عليه السلام.
أجل، لقد وصل إبراهيم عليه السلام إلى هذه البقعة بعد رحلة طويلة، وسكن هنالك وكأنه أنهى هجرته هناك، هنا التقت الهجرةُ مع البذرةِ التي كانت هي الغاية من هذه الهجرة، ثم تحوّلت هذه البذرة إلى شجرةٍ وارفة مورِقة، ثم اتجهت الشجرة بفرعيها الكبيرين إلى الأبد، أحد هذين الفرعين أعطى ثمراته عدة مرات، أما الفرع الآخر فقد امتدّ إلى الأبد، وهذا الفرع هو فرع إسماعيل وقد أعطى ثمرة لو وُضعت في إحدى كفتي الميزان لرجحت على جميع الأنبياء العظام وكانت مفخرةً للأجيال القادمة، هذه الثمرة هي محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين صاحب الفطنة الكبيرة، وهي نتيجة هجرة إبراهيم عليه السلام.
لماذا أُطلق لقبُ “المسيح” على النبي عيسى عليه السلام؟ إن أحد معاني “المسيح” هو السائح في الأرض، وهو من صيغ اسم “الفاعل” أي الشخص الكثير السياحة، وقد بحث عيسى عليه السلام هنا وهناك عمّن يُسلِّم قلبَه للحقّ وللحقيقة، فحصل نتيجة سياحته الطويلة هذه على اثني عشر حواريًّا، اتّخذ عيسى عليه السلام هؤلاء الحواريين تلاميذَ له، واتّجه بهم نحو فتح العالم وأداء الأمانة العظمى التي حمّلها الله له وتحقيق دعوته الكبيرة بهم، فإن استثنينا الطالبَ الذي خانه فمعنى هذا أنه خرج لفتح العالم بوساطة أحد عشر طالبًا من طلابه، ومع أنه لا يُعرف أين وُلد السيد المسيح عليه السلام، ولكننا نعرف إلى أين توجّه في هجرته المقدسة، وهناك كتبٌ تاريخيّةٌ تذكر أنه وصل في هجرته وسياحته إلى وسط الأناضول، لقد ساح في أرجاء فلسطين وفي شبه الجزيرة العربية، وعندما بلغ عمره ثلاثةً وثلاثين عامًا ترك -حسبَ مقاييسنا ومعاييرنا- هذا العالمَ الفاني، ورُفع إلى عالمٍ أسمى؛ إلى عالمٍ خاص به، لقد ساح في أجزاء كثيرة من العالم أكثر من كثير من السيّاح، باحثًا عمّن يصغي إلى صوت دعوته من أصحاب القلوب السليمة والوجوه النضرة.
شبّ موسى عليه السلام في قصر “فرعون”، ومع أنه تعود على حياة القصورِ الناعمة، إلّا أنه كان أيضًا رجلَ هجرة، ولو بحثنا ودقّقنا في حياة الأنبياء العظام لرأينا الهجرة سمةً مشتركةً بينهم.
لا شك أن أكبر مهاجر ضمن هؤلاء المهاجرين المباركين هو رسولنا صلى الله عليه وسلم، لأن الهجرة -مثلها في ذلك مثل جميع الأمور- وصلت عنده إلى الذروة الكاملة، لقد جمع في عبوديته البداية والنهاية معًا؛ إنه كان يجمع بين مبتدإ العبادة ومنتهاها، إذ كان يشاركُ الأعرابيُّ في مائدته السماوية التي يرتادها ذاتُها جبريل عليه السلام، ولقد جرت هجرته صلى الله عليه وسلم على نفس هذا النمط.
أجل، كانت هجرته من مكة إلى المدينة هجرةً شاقة ولكن ذات معانٍ عميقة، ونحن لا نعرف كيف تناول الأنبياء الآخرون موضوع الهجرة، أما هو صلى الله عليه وسلم فقد كان يعاهد ويصافح وهو يشترط ويقول “على أن تهاجر”، بل كان يُنظر في تلك الأيام إلى من يتخلّف عن الهجرة دون مانعٍ على أنه منافق، لكن لمّا لم يتمكن الوليد بن الوليد وعياش بن ربيعة وسلمة بن هشام من الهجرة لبعض الأسباب المانعة سُمح لهم بعدم الهجرة، لقد كان هؤلاء الثلاثة فقط من السعداء غير المهاجرين لذا حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يملأ هذه الثغرة الخارجة عن إرادتهم بالدعاء لهم. كان يرفع يديه بالدعاء بعد الركوع قانتًا: “اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ”[3]، وظل هكذا حتى أنزل الله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 3/128). أجل، يدعو ربه ويتضرع إليه؛ ذلك لأن هؤلاء كانوا من أوائل مَن أسلموا، كان عياش رضي الله عنه أخًا لأبي جهل من جهة الأم، ولكن ما إن نطق بالشهادتين حتى وُضعت القيودُ في يديه وفي رجليه والأغلالُ في رقبته، وقُيِّدَ بالحديد وتعرّضَ للإهانةِ والضربِ من قِبَلِ أخيه الأكبرِ أبي جهل، ومن قِبَلِ ابنه عكرمة الذي تشرّف فيما بعد بالإسلام وأصبح من أبطال اليرموك، وبقي عياشٌ رضي الله على هذه الحالة إلى أن دخل النبيُّ r مكّةَ فاتحًا منتصِرًا.
أما سلمة بن هشام رضي الله عنه فكان أخًا لأبي جهل من قِبَلِ الأب، وقُيّد هو الآخرُ بالحديد في يديه والأغلال في عنقه، أما الوليد بن الوليد رضي الله عنه فكان الشقيق الأكبر لخالد بن الوليد رضي الله عنه، وابن الوليد بن المغيرة، والغريب في الأمر أن جميعهم كانوا من قبيلة بني مخزوم، لقد بذلوا كلّ ما في وسعهم للوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والهجرة معه ولكنهم لم يستطيعوا التغلُّب على الصعاب والعقبات التي وُضعت أمامهم، لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بعد الركوع في صلاة الفجر ويدعو لهم بالنجاة، وكان أحيانًا يدعو لهم في صلاة الظهر والمغرب والعشاء أيضًا.
لقد كانت الهجرة مهمةً بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان يوصي كلَّ مَن يصافحه بأن يهاجر، ويدعو لكلّ مَن عجز عن الهجرة بأن ييسِّرَ الله له الهجرة، وعندما مرض سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في مكة بعد فتحها أخذه القلقُ والرعدة الشديدة، وأعرب عن قلقِهِ هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عاده في مرضه هذا قائلًا له: “يَا رَسُولَ الله، بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى،… يَا رَسُولَ الله، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟”[4]، أي مع أن مكّةَ مقدّسة ومباركة إلا أنهم كانوا يقلقون خشية بقائهم بعيدًا عن أرض هجرتهم.
الهجرة عملٌ صالح يستجدي رضا الله تعالى؛ لأن المهاجر يتحمّل تضحيات كبيرة في سبيل الله.
أجل، إن الإنسان يحبّ عائلتَه وأولادَه وعيالَه والوطنَ الذي وُلد فيه حبًّا جمًّا، فكم من شاعرٍ ترنم بالحنين إلى الوطن ووحشة الغربة، فهذا إحساسٌ موجودٌ لدى الجميع، ولكونه إحساسًا فطريًّا فإن الإنسان لا يستطيع أن يجتثّه من داخله، لذا نرى سيدنا بلال بن رباحٍ رضي الله عنه رغمَ ما تكتنفه المدينة المنورة من جمالٍ ساحر إلا أنه يبكي عندما يتذكّر مكة، وينشد أشعار الشوق والحنان لها، ولم يكن شوق أبي بكر رضي الله عنه وغيره أقلّ من هذا الشوق، لقد هاجروا إلى المدينة في سبيل عقيدتهم ودعوتهم، ولكن الشوق إلى ديارهم كان يكوي أفئدتهم، فشخصٌ مثل أبي بكر رضي الله عنه الذي لم يفكر لحظةً واحدةً في فراق الرسول صلى الله عليه وسلم كان أيضًا يتفطّرُ شوقًا إلى مكة ويستاءُ من فعل المشركين الذين تسبّبوا في تركه ديارَه ووطنَه، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فكان يقول لمكة حينما ودعها كما جاء في أوثق كتب الحديث: “وَالله إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ الله، وَأَحَبُّ أَرْضِ الله إِلَى الله، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ”[5].
وهذا شعورٌ بالشوق والحنين إلى الوطن، لذا يجب علينا النظر إليها من هذه الزاوية أيضًا عند تناول موضوع الهجرة، فالصحابة وُلِدوا في مكة وترعرعوا هناك وتعودوا عليها، ثم كان هناك البيت الذي بناه أبوهم إبراهيم عليه السلام والذي كان يأتي لزيارته الآلاف من الناس من أقاصي الأرض كلّ سنة، وكانوا هم سدنة هذه الكعبة وساداتها، فمنهم مَن أخذ على عاتقه مهمةَ إطعام الزائرين، ومنهم مَن أخذ على عاتقه مهمّة سقايتهم بماء زمزم، ومنهم مَن أخذ على عاتقه الاهتمام بالذبائح التي يقدمونها لبيت الله، كان لكلٍّ منهم مهمة يؤديها, وعادةً يصعب على الشخص ترْكَ ما تعوّد عليه، فنحن مثلًا تعودنا على تذوق المشاعر العميقة التي يبعثها فينا شهر رمضان والصوم والإفطار وأداء صلاة التراويح، وكذلك تنتابنا مشاعر وأحاسيس عميقة عند ذهابنا إلى الحج، ثمّ عودتنا منه ومشاعر الفراق المثارة في نفوسنا؛ وإن كان شيئًا مؤقتًا، وقد جرّب الكثيرُ منّا ولِعِدَّة مرات هذه المشاعر، بينما كان سادتنا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يتركون أوطانهم ومساكنهم وأولادهم وعيالهم، فمثلًا عندما هاجر عمر رضي الله عنه لم يأخذ معه زوجاته، وعندما هاجر أبو بكر رضي الله عنه لم تكن معه ابنته عائشة رضي الله عنها.
عجبًا! أين كانت هذه السيدة العزيزة التي اكتسبت عزةً ما بعدها عزة بارتباطها بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت يا ترى!؟
وأين بقيت هي وزوجات أبي بكر رضي الله عنه اللواتي لا نعرف حتى أسماءهن، وأين بقي والده الشيخ الأعمى أبو قحافة، كيف تركهم أبو بكر رضي الله عنه كلهم وذهب؟ هل نستطيع أن نُلْصِقَ تُهمةَ قساوة القلب بهذه النماذجِ من الشفقة والرحمة!؟ أبدًا… كان كلٌّ منهم مثالًا للرحمة والشفقة، وكانت علاقاتهم الأسرية من القوّة بمكانٍ يجعلها تفوق أيَّ تقدير، ولكن الهجرة في سبيل الحقّ كانت فوقَ كلِّ شيء وأولى من أي شيء، لذا أبقى هؤلاء كلّ ما يملكون في مكّة وهاجروا، كان منهم مَن يهاجر جهارًا نهارًا وعلنًا ومتحديًا الجميع، وكان منهم مَنْ لا يعرف شيئًا سوى أنه يهاجر في سبيل الله، أي كان يخطو ويشدّ الرحال نحو شيء غامضٍ ومجهول، كانوا يملكون في وطنهم الذي يفارقونه كلَّ شيء: المساكنَ والأولادَ والعيالَ والمالَ، وكان الفقرُ والوحشةُ والغربة والوحدة تنتظرهم في البلد الذي يتوجهون إليه، إذ لم يكن معلومًا لديهم آنذاك أن أهل المدينة الأوفياء سيرحبون بهم ويضمّونهم إلى صدورهم ويقاسمونهم مساكنهم، كان هؤلاء المهاجرون يمثّلون قِوَامَ الإنسانية، ومن ثمّ ساعدوا على ظهور ثُلّةٍ فريدةٍ هي الأنصار، وهكذا صار الأنصار حواريّين في مصافّ القدسيين، واكتسب المهاجرون صفة النصر والتآزر من الأنصار.
لم تكن سمة حياة هاتين الجماعتين متوافقةً، ولا طرز حياتهم متقاربة، وكانت آفاقهم الفكرية مختلفةً عن بعضها، ولم يكن مستوى الحوار بينهما بالمستوى نفسه أبدًا؛ لذا فقد قاسى المهاجرون الكرامُ وتكبّدوا من العناءِ ما لا يوصَفُ حتى انطبعت حياتهم كلّها بطابع الهجرة، ومع ذلك فلم يرجع أحدٌ منهم سوى بائس واحد إلى مكة، إذ لم يكن الإيمان قد استقرّ في قرارة فؤاده بعد، أما الباقون فلم يفكّر أحد منهم بالرجوع إلى مكة، إن الهجرة التي عمّقت إيمان الصحابة الكرام والتي أعطت للإسلام والمسلمين لونًا متميزًا أصبحت اليوم أيضًا من مواضيع الساعة.
والهجرة تُكسبُ طلابَ القرآن معاني جمّة؛ ذلك لأن كلّ شخصٍ يترك -إلى جانب الآثار الإيجابية في البلد الذي ولد وترعرع فيه- بعضَ الآثار السلبية كذلك، فلكلّ واحدٍ ذكرياتٌ سلبية أيضًا في قريته أو بلدته وبين أقرانه؛ فهناك أيام تشاجر فيها مع أصدقائه، أو قام بأشياء ليضحك الناس، وهذه الأمور لا تتلاءم والوقارَ الذي يجب أن يتحلّى به بعد أن يأخذ على عاتقه مهمّة الدعوة إلى الله؛ ذلك لأن مثل هذه التصرفات الصبيانية السابقة -التي لا مفرّ منها في مرحلةٍ معينة من العمر- قد تكدّر أذهان البعض وتُلقي بظلالها سلبيًا على مهمّة الدعوة والتبليغ، وتكون سببًا وعاملًا في بعض التقييمات السلبية تجاهه.
فمثلًا كان المكّيّون يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: يتيم أبي طالب. أجل، كانوا يُطلقون على فخر الكائنات -الذي يستحقُّ تضحية الثقلين بالأرواح من أجله- صفةَ “يتيم أبي طالب”، يريدون بذلك التهوينَ من شأنه ورسالته، يريدون استعمال يُتمه كسلاحٍ موجّهٍ ضده، يودّون أن يقولوا: “ويحك! أهذا الذي كان يركض معنا في الأزقة وهو صبيّ ويمشي بيننا في الأسواقِ يَدَّعِي أنه صعد إلى السماء وأتى بأخبارٍ لا يمكن أن تتصوّرها عقولنا؟”. هذا علمًا بأن الله تعالى كان يهيّئه منذ صغره لمهمّة النبوّة والرسالة ويصونه ويحفظه من كلّ ما يمكن أن يُلقِي بظلاله سلبًا على مهمّة الدعوة والتبليغ هذه، وهاكم مثالًا على ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا يَهُمُّ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَرَّتَينِ مِنَ الدَّهْرِ كِلْتَاهُمَا عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْهُمَا، قُلْتُ لَيلَةً لِفَتًى كَانَ مَعِي مِنْ قُرَيشٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ فِي غَنَمٍ لِأَهْلِنَا نَرْعَاهَا: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ هَذِهِ اللَّيلَةَ بِمَكَّةَ كَمَا يَسْمُرُ الْفِتْيَانُ، قَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا جِئْتُ أَدْنَى دَارٍ مِنْ دُورِ مَكَّةَ سَمِعْتُ غِنَاءً، وَصَوتَ دُفُوفٍ وَمَزَامِيرَ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: فُلَانٌ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ -لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيشٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ- فَلَهَوتُ بِذَلِكَ الْغِنَاءِ، وَبِذَلِكَ الصَّوتِ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَينِي، فَنِمْتُ فَمَا أَيقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ فَعَلْتُ لَيلَةً أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ”[6].
أجل، كان الله تعالى يهيِّئُه لشيءٍ معيّن، شارك في صباه في بناء الكعبة بعد أن انهدمت جرّاءَ السيول؛ فكان ينقل الأحجار، وما كان من المتصوّر أن يتخلّف عن مثل هذا العمل الشريف، وفي أثناء العمل قَالَ العَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الحِجَارَةِ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَينَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: “إِزَارِي إِزَارِي” فَشَدَّ عَلَيهِ إِزَارَهُ”[7].
لقد كان الله تعالى يصونه من كلّ شيء لا يليق به لأنه كان يهيّئه لحملِ رسالةٍ كبرى، ولكن مع كلّ هذا كان مشركو مكة يدعون سيِّدَ السادات صلوات ربي وسلامه عليه بيتيم أبي طالب.
في مثل هذا الجو الذي لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يجد نصرًا وتأييدًا من أهل مكة؛ فَتَحَ الأنصارُ صدورَهم له، وفتحوا أبواب بلدتهم وأبواب بيوتهم له، واستسلموا له كليًّا عندما طلب منهم البيعة في بيعة العقبة الثانية قائلين: “بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَينَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَينَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَومَةَ لَائِمٍ”[8]، وهكذا وجد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بين أناسٍ يعرفون قدرَه، ويرونه مثل شمس الضحى صافيًا مضيئًا، ويُقدّمون له الاحترام المطلوب، كانوا يرونه نبيًّا منذ أول يوم رأوه فيه، ويرون فيه الجِدّية والوقار الخاصة بالنبوة رغم أنهم كانوا لا يعلمون عن طفولته شيئًا.
كما كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يُهانون في بلدهم مكة، فلم يتيسّر للمكّيين معرفة قيمة سيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه إلا بعد فتح مكة، مع أنه هو وكثيرٌ من أصحابه من الرجال من ذوي القلوب والنفوس الطاهرة كانوا يتعرضون في مكة -نتيجة النظرة الاجتماعية الطبقيّة السائدة هناك- إلى صنوف عديدة من الأذى والإهانة، ولكنهم أصبحوا في المدينة جماعةً مكرمةً وعزيزة، حتى إن الأنصار كانوا يتوسّلون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه أن يكون المهاجرون شركاء لهم في أموالهم ومساكنهم، وهذا جانب آخر من جوانب الهجرة…
هذا علمًا بأن هؤلاء المهاجرين كانوا محطّ اهتمامٍ خاصّ للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، إنّ هذا الرسول الكريم الذي قاد الهجرة قد أُعِدَّ وهُيِّئَ للرسالة منذُ نعومةِ أظفاره، فنشأ وترعرع تحت حماية الله تعالى وصَونه ورعايته.
وبالنسبة إلينا فإن الهجرةَ مهمّةٌ جدًّا في سبيل الدعوة؛ ذلك لأنّ كلّ واحدٍ منّا له أخطاءٌ حسب مقتضى الطبيعة البشريّة، وقد تُثار في حقّنا بعضُ الأقاويل، لذا كان من الأفضل الهجرة من الأماكن التي كنّا فيها؛ لأنه مهما كانت النيات صافية فمن الضروري ألا تتشوّه صورتنا ولو بأدنى شيء في أذهان المخاطبين؛ حتى يمكن أن نبعث الأمن والطمأنينةَ والثقة في نفوسهم، ولا يتيسر هذا إلا عندما نكون بين مَن لا يعرفون أخطاءنا ونواقصنا السابقة، ونكون عندهم كمَن نـزل من السماء إليهم حسب التعبير الشعبي الدارج، فهذا مهمّ جدًّا من حيث التأثير الذي تُحدثه الخدمة في قلوب الآخرين.
ومشيئة الله سبحانه وتعالى بتهجير جميع المرشدين والمجدّدين يُظهر أن الهجرة قانونٌ إلهي، فكأن الله تعالى أجبر جميع المرشدين والمبلغين على الهجرة بمقتضى هذا القانون، فمثلًا يظهر أحدهم في الجبال الشمّ للولايات الشرقية للأناضول[9]، ولكن نسمع صدى صوته يدوي في غربي الأناضول أو في آفاق إسطنبول، وكان الإمام الغزالي كثيرَ السياحة، وكان الإمام الرباني يسيح في طول الهند وعرضها، وعندما ندقق في حياة هؤلاء العظماء الأفذاذ نجد للهجرةِ مساحةً واسعةً في حياتهم.
إن الهجرة المقدّسة تتبوّأ الآن من زاوية الدعوة أهمّيّةً أكبر مما كانت عليه في السابق، فإن قام أخٌ مؤمنٌ بالهجرة إلى بلدة أخرى فيجب ألا ننظر إليه باستهجان، صحيحٌ أنه لا توجد الآن “مدينة منورة” ولكن ستكون هناك مدن تحاول تقليد “المدينة” وتصطبغ بصبغتها، وبتعبير آخر: لكي نستطيع المثول بين يدي “صاحب المدينة” r علينا أن نُنشئ عدة “مدنٍ” مثلها، ولكي نستطيع أن نقول: “لقد تركنا مدنَنَا خلفَنا يا رسول الله لكي نحضرَ إلى مدينتك”؛ فهناك حاجةٌ إلى الهجرة وإلى بلادٍ للهجرة، لذا لا نستطيع أن نستخفّ بموقف الذين رحلوا إلى أرجاء الأرض وتوزّعوا في أقاليمها ووضعوا عصى الترحال والهجرة على عواتقهم لنشرِ الإسلام؛ ذلك لأنهم لم يفعلوا هذا لسببٍ مادي أو لمصلحة شخصية، بل إنّ هدفَهم هو نشر الإسلام ونيل رضا الله تعالى ليس إلا.
إن الذين هاجروا في سبيل دعوة الحق من سائر أنحاء العالم الإسلامي سيُجازَون حسب نياتهم بمقتضى فحوى الحديث الشريف: “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى”[10]، ونحن ندعو الله تعالى أن يتبوّأ هؤلاء مقاماتهم بجانب المهاجرين الأولين، أي يحشر الله تعالى المهاجرين مع المهاجرين والأنصار مع الأنصار، وعندما يُنادى يوم المحشر: “ليجتمع المهاجرون” فإننا نأمل أن يكون هؤلاء خلف المهاجرين الأولين من الصحابة، فمَن يدري ماذا سيجدون أمامهم؟ أيجدون أمامهم أبا بكر أم عمر بن الخطاب أم عثمان رضي الله عنهم جميعًا؟
أنصتوا إلى هذا الفقير الذي يشعر في كلّ لحظةٍ أن الله تعالى سيحاسبه على ما اقترفت يداه، ويدرك جيدًا أن أحد قدميه قد باتت على شفير القبر، وهذا يعني أن الله تعالى سيحاسبني على ما أقول إن كنت بالغتُ في الأمر أو ذكرتُ شيئًا خلاف الواقع.
قد لا نستطيع تحقيق غايتنا المثالية التي هاجرنا من أجلها، لكن الفوزَ سينال هؤلاء المهاجرين طالما كانت نيّاتهم خالصةً، وما دامت تشغل أذهانهم فكرة: “ليت الله يكتبها لنا، أو على الأقل نهاجر إلى بلدٍ نظلّ فيها بضعة أسابيع نخدم غايتنا المثالية خلالها”، ولنشرح هذا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: “مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ”[11].
أجل، إن كان أحدهم يتحرّق شوقًا لخدمة دين الله ودعوته ويخطّط لإيصال دين الله حتى أقصى الأرض ويدعو قائلًا: “لنذهب ولنر ولنشاهد ولنعلِّم ولنرشد ولنمش على طريق الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وعلى أثر رسولنا صلى الله عليه وسلم مفخرةِ الإنسانية، لنُنْجِز مهمتنا هذه..” مثل هذا الشخص حتى إن توفي في بلده فإننا نأمل أن يكتبه الله تعالى في ديوان المهاجرين.
ندعو الله تعالى أن يخصّ الذين ناءَ كاهلُهم بالعمل في خدمة الإسلام والعالم الإسلامي بثواب المهاجرين وثواب الشهداء، إنه نعم المولى ونعم النصير.
[1] ولما دخل إبراهيم ومعه سارة إلى أرض هذا الجبّار قال لها:
“إن هذا الجبار إن يعلم أنكِ امرأتي يغلبني عليك، فأخبريه أنكِ أختي -أي في الإسلام- فإني لا أعلم في الأرض مسلمًا غيرك وغيري”.
فلما دخلا رآها بعض أهل الجبار، فقالوا له:
“لقد قَدِمَ أرضَك امرأة لا ينبغي أن تكون إلا لك”.
فأرسَلَ إليها فأُتِيَ بها وقام إبراهيم إلى الصلاة والدعاء، فلما دخلت عليه أعجبته، فمد يده إليها، فأيبس الله تعالى يده، فقال لها:
“ادعي الله أن يُطلق يدي ولا أضرّكِ”.
فدعت، فعاد، ثم وثم، حتى دعا الذي جاء بها، وقال له:
“أخرجها من أرضي”.
وأعطاها “هاجر” وكانت جاريةً في غاية الحسن والجمال، فوهبتها سارةُ لإبراهيم، فولدت له إسماعيل عليهما السلام…إلخ. أوردَ هذه القصّة بالتفصيل ابن حجر: فتح الباري، 6/ 392؛ وغيره.
[2] صحيح مسلم، الصلاة، 76.
[3] صحيح البخاري، الأذان، 126؛ صحيح مسلم، المساجد، 294.
[4] صحيح البخاري، المناقب، 110؛ صحيح مسلم، الهبات، 4.
[5] سنن الترمذي، المناقب، 132؛ سنن ابن ماجه، المناسك، 103.
[6] صحيح ابن حبان، 14/169.
[7] صحيح البخاري، المناقب، 89؛ صحيح مسلم، الحيض، 76.
[8] صحيح البخاري، الأحكام، 43؛ صحيح مسلم، الإمارة، 41 (واللفظ له).
[9] يرمزُ المؤلِّفُ بهذه الإشارةَ إلى بديعِ الزمان سعيد النُّورسي.
[10] صحيح البخاري، بدءُ الوحي، 1؛ صحيح مسلم، الإمارة، 155.
[11] صحيح مسلم، الإمارة، 157؛ سنن أبي داود، الصلاة،26؛ سنن الترمذي، فضائل الجهاد، 19؛ سنن النسائي، الجهاد، 36؛ سنن ابن ماجه، الجهاد، 15.